الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وقال ربُّكُم ادعوني } أي: اعبدوني { أَستجبْ لكم } أي: أثبكم، ويدل على هذا قوله: { إِن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين } صاغرين أذلاء، أو: اسألوني أعطكم، على ما أريد، في الوقت الذي أريد. قال القشيري: والحكمة في أنه أمر بالسؤال قبل الإجابة، وبالاستغفار قبل المغفرة، أنه حكم في اللوح أن يعطيك ذلك الشيء الذي تسأله وإن لم تسأل، ولكن أمر بالسؤال، حتى إذا وجدته تظن أنك وجدته بدعائك، فتفرح به. قلت: السؤال سبب، والأسباب غطى بها سر قدرته تعالى. ثم قال: ويقال: إذا ثبت أن هذا الخطاب للمؤمنين فما مِن مؤمنٍ يدعو الله، ويسأله شيئاً، إلا أعطاه إياه، إما في الدنيا، وإما في الآخرة. حيث يقال له: هذا ما طلَبْتَه في الدنيا، وقد ادخرتُه لك إلى هذا اليوم، حتى يَتَمنى العبدُ أنه لم يُعطَ شيئاً في الدنيا. هـ. قلت: فالدعاء كله إذاً مستجاب، بوعد القرآن، لكن منه ما يُعجّل، ومنه ما يُؤجّل، ومنه ما يصرف عنه به البلاء، كما في الأثر، وإذا فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار عنه منزلاً منزلة الاستكبار عن العبادة للمبالغة في الحث عليه. قال صلى الله عليه وسلم: " الدعاء هو العبادة " وقرأ الآية، وفي رواية: " مخ العبادة " ، وعن ابن عباس: " وحَدوني أغفر لكم " ، فسَّر الدعاء بالعبادة، والعبادة بالتوحيد. الإشارة: اختلف الصوفية أيّ الحالين أفضل؟ هل الدعاء والابتهال، أو السكوت والرضا؟ والمختار أن ينظر العبد ما يتجلّى فيه قلبه، فإن انشرح للدعاء فهو في حقه أفضل، وإن انقبض عنه، فالسكوت أولى، والغالب على أهل التحقيق من العارفين، الغنى بالله، والاكتفاء بعلمه، كحال الخليل عليه السلام، فإنهم إبراهيميون. قال الورتجبي: أي: ادعوني في زمن الدعاء الذي جعلته خاصّاً لإجابة الدعوة، فادعوني في تلك الأوقات، أستجب لكم فإنَّ وقوع الإجابة فيها حقيقة بلا شك، ومَن لم يعرف أوقات الدعاء، فدعاؤه ترك أدب فإن الدعاء في وقت الاستغفار من قلة معرفة المقامات، فإن السلطان إذا كان غضبان لا يُسأل منه، وإذا كان مستبشراً فيكون زمانه زمن العطاء والكرم. قلت: هذا في حق الخصوص، الفاهمين عن الله، وأما العموم، فما يناسبهم إلا دوام الدعاء في الرخاء والشدة: قال تعالى:فَلَوْلآ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } [الأنعام: 43] ثم قال عن الورّاق: ادعوني على حد الاضطرار والالتجاء، حيث لا يكون لكم مرجع إلى سواي، أستجب لكم. هـ. ثم برهن على توحيده، وأنه لا يصح الرجوع إلا إليه، فقال: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ }.