الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } * { قَالُوۤاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ بَلَىٰ قَالُواْ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وإِذ يتحاجُّونَ في النار } أي: واذكر لقومك وقت تخاصم الكفار في النار، { فيقول الضعفاءُ } منهم { للذين استكبروا } وهم رؤساؤهم: { إِنا كنا لكم تَبَعاً } ، وهو جمع تابع، كخادم وخدَم، أو: ذوي تَبَع، على أنه مصدر، أو: وصف به للمبالغة، { فهل أنتم مُغنونَ عنا نصيباً من النار } أي: فهل أنتم دافعون، أو: حاملون عنا جزءاً من النار؟ { قال الذين استكبروا إِنَّا كلٌّ فيها } ، التنوين عوض عن المضاف، أي: كلنا فيها، لا يُغني أحد عن أحد. وقرىء كُلاًّ بالنصب على التأكيد، وهو ضعيف لخلوه من الضمير. { إِنَّ الله قد حَكَمَ بين العباد } قضى بينهم، بأن أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، لا مرد له، ولا مُعقب لحُكمه، فلا يُغني أحد عن أحد شيئاً. قال ابن عرفة: في الآية لف ونشر، فقوله تعالى: { إِنَّ كلٌّ فيها } راجع لقوله: { إِنا كنا لكم تبعاً } أي: إنا قد حصلنا جميعاً في النار، فَجُوزي كلٌّ على قدر عمله، أنتم على ضلالكم، ونحن على إضلالنا إياكم. وقوله: { إِن الله قد حكم بين العباد } راجع لقوله: { فهل أنتم مُغنون عنا } وبهذا المعنى يتقرر الجواب. هـ. { وقال الذين في النار لخزنةِ جهنَّمَ } للقُوّام بتعذيب أهلها، وإنما لم يقل: لخزنتها لأن في ذكر جهنم تهويلاً وتفظيعاً، ويحتمل أنّ جهنم هي أبعدُ النار قعراً، من قوله: بئر جَهنام، أي: بعيدة القعر، وفيها أعتى الكفرة وأطغاهم، أو: لكون الملائكة الموكّلين بعذاب أهلها أقدر على الشفاعة لمزيد قربهم من الله، فلهذا تعمّدوهم بطلب الدعوة، فقالوا لهم: { ادعوا ربكم يُخفّفْ عنا يوماً } أي: مقدارَ يوم من الدنيا { من العذابِ } ، واقتصارهم في الاستدعاء على ما ذكر في تخفيف قدر يسير من العذاب في مقدار قصير من الزمان، دون رفعه رأساً، أو: تخفيف منه في زمان مديد لأن ذلك عندهم ليس في حيز الإمكان، أو لا يكاد يدخل تحت أمانيهم. { قالوا } أي: الخزنة، توبيخاً لهم، بعد مدة طويلة: { أَوَلَمْ تَكُ } أي: القصة { تأتيكم رُسلُكم بالبينات } بالمعجزات، يَتْلُون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ أرادوا بذلك إلزامهم الحجة، وتوبيخهم على إضاعة أوقات الدعاء، وتعطيل أسباب الإجابة، { قالوا } أي: الكفار: { بلى } أتونا بها، فكذبناهم وقلنا: ما نزَّل اللهُ من شيء. { قالوا } أي: الخزنة تهكُّماً بهم: { فادْعُوا } أي: إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم، فإنَّ الدعاء لمَن يفعل ذلك مما يستحيل صدوره. منا. زاد البيضاوي: إذ لم يؤذن لنا في الدعاء لأمثالكم، وبحث معه أبو السعود بأنه يُوهم أن المانع هو عدم الإذن، وأنَّ الإذن في حيز الإمكان، ولا تجوز الشفاعة في كافر. انظره. قال تعالى: { وما دعاءُ الكافرين إِلا في ضلالٍ } في ضياع وبطلان، لا يُجابون فيه لأنهم دعوا في غير وقته، ويحتمل أن يكون من كلام الخزنة. والله تعالى أعلم. الإشارة: الآية تجر ذيلها على كلّ مَن له جاه، فدعا إلى سوء، بمقاله أو حاله، فتبعه العامة على ذلك، فيتحاجُّون يوم القيامة فيقول المستضعفون: إنا كنا لكم تبعاً. فكل مَن أمر بسوء، وفُعِل، عُوقب الآمر والمأمور، وكل مَن فعل فعلاً خارجاً عن السُنَّة، كالرغبة في الدنيا، والتكاثر منها، فتبعه العامة على ذلك، عُوتب الجميع، وبالله التوفيق. ثم وعد أهل الحق بالنصر، فقال: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }.