الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ } * { تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } * { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } * { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ }

يقول الحق جلّ جلاله، حاكياً عن المؤمن: { ويا قوم ما لي أدعوكم إِلى النجاةِ } إلى السلامة من النار، { وتدعونني إِلى النار } بسلوك أسبابها. كرر نداءهم إيقاظاً لهم عن سِنة الغفلة، واعتناءً بالمنادَى به، ومبالغة في توبيخهم، وفيه أنهم قومه، وأنه من آل فرعون، وجيء بالواو في النداء الثالث، دون الثاني لأن الثاني داخل في كلام هو بيان للمجمل وتفسير له، بخلاف الثالث. ومدار التعجُّب الذي يلوح به الاستفهام هو دعوتهم إياه إلى النار، لا دعوته إياهم إلى النجاة، كأنه قيل: أخبروني كيف هذا الحال أدعوكم إلى الخير وتدعونني إلى الشر؟ { تدعونني لأكفرَ بالله } هو بدل من تدعونني الأول، وفيه تعليل، والدعاء يتعدّى باللام وبإلى، كالهداية، { وأُشركَ به } وتدعونني لأُشرك به { ما ليسَ لي به عِلٍْمٌ } أي: بربوبيته، والمراد بنفي العلم: نفي المعلوم، كأنه قال: وأُشرك به شيئاً ليس بإله، وما ليس بإله كيف يصحّ أن يعلم إلهاً؟ { وأنا أدعوكم إِلى العزيز الغفار } أي: إلى الله الجامع لصفات الألوهية، من كمال القدرة والغلبة، وما يتوقف عليه من العلم والإرادة إذ بالقدرة يتمكن من المجازاة بالتعذيب، أو الإحسان بالغفران. { لا جَرَمَ } لا شك، أو: حقاً، وقال البصريون: " لا ": نفي رد لِما دعوه إليه، و " جرم ": فعل، بمعنى: حقّ، و " أن " مع " ما " في حيزه فاعل، أي: حق ووجب { أنّما تدعونني إِليه ليس له دعوةٌ في الدنيا ولا في الآخرة } أي: وجب عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها، والظاهر: أن " جَرَمَ " من الجرم، وأراد به هنا الكذب، أي: لا كذب في أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة... الخ، فقد يضمن الفعل معنى المصدر، وتدخل " لا " النافية للجنس عليه، والمعنى: أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط، ومن حق المعبود بالحق أن يدعوَ العباد إلى طاعته، وما تدعونني إليه لا يدعو هو إلى عبادته، ولا يدّعي الربوبية، أو: معناه: ليس له استجابة دعوة في الدنيا والآخرة، أو: دعوة مستجابة. جعلت الدعوة التي لا استجابة لها، ولا منفعة، كلا دعوة. { وأنَّ مردَّنا إِلى الله } أي: رجوعنا إليه بالموت، { وأنَّ المسرفين } في الضلال والطغيان، كالإشراك وسفك الدماء، { هم أصحابُ النار } أي: ملازموها. { فستذكُرون ما أقولُ لكم } من النصائح عند نزول العذاب، { وأُفوِّضُ } أُسلّم { أمري إِلى الله } ، قال لَمّا توعّدوه. { إِنَّ الله بصير بالعبادِ } فيَحْرُسُ مَن يلوذ به من المكاره. { فوقاه اللهُ سيئاتِ ما مكروا } شدائد مكرهم، وما هَمُّوا به من إلحاق أنواع العذاب لِمَن خالفه، وقيل: إنه خرج من عندهم هارباً إلى جبل، فبعث قريباً من ألفٍ في طلبه، فمنهم مَن أكلته السباع، ومَنْ رجع منهم صَلَبه فرعونُ.

السابقالتالي
2 3