الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } * { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } * { مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وقال الذي آمن } أي: مؤمن آل فرعون: { يا قوم اتبعون } فيما دللتكم عليه، { أَهدِكُم سبيلَ الرشادِ } أي: طريقاً يُوصل صاحبَه إلى المقصود. والرشاد: ضد الغيّ، وفيه تعريضٌ بأن ما يسلكه فرعون وقومه سبيل الغيّ والضلال. { يا قوم إنما هذه الحياةُ الدنيا متاعٌ } أي: تمتُّع يسير لسرعة زوالها، فالإخلاد إليها أصل الشر، ومنبع الفتن، ومنه يتشعّب فنون ما يؤدي إلى سخط الله. أَجْمل له أولاً، ثم فَسَّر، فاستفتح بذم الدنيا، وتصغير شأنها، ثم ثنَّى بتعظيم الآخرة، وبيَّن أنها هي الموطن والمستقر بقوله: { وإِنَّ الآخرةَ هي دارُ القرارِ } لخلودها، ودوامها، ودوام ما فيها. قال ابن عرفة: التمتُّع بالدنيا مانع من الزهد، وكون الآخرة دار مستقر يقتضي وجود الحرص على أسباب الحصول فيها. هـ. ثم ذكر الأعمال التي تُبعد عنها أو تُقرب إليها، فقال: { مَن عَمِلَ سيئةً } في الدنيا { فلا يُجزَى } في الآخرة { إِلا مثلَها } عدلاً من الله تعالى. قال القشيري: له مثلها في المقدار، لا في الصفة لأن الأولى سيئة، والمكافأة حسنة ليست بسيئة. هـ. وقال ابن عرفة: في توفيه مماثلة العذاب الأبدي على كفر ساعة تتصور المماثلة، إما باعتبار نيته الكفر دواماً، وإما بأن يقال: ليس المراد المماثلة عقلاً، بل المماثلة شرعاً. وفي الإحياء: قال الحسن: إنما خُلِّد أهل الجنة في الجنة، وأهل النار، في النار، بالنية، وهو ـ والله أعلم ـ مقتبس من قوله تعالى:أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ } [إبراهيم: 44]. هـ. قاله المحشي. { ومَن عَمِلَ صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك } الذين عملوا ذلك { يدخلون الجنةَ يُرزقون فيها بغير حسابٍ } أي: بغير تقدير، وموازنة بالعمل، بل بأضعافٍ مضاعفة، فضلاً من الله ـ عزّ وجل ـ ورحمة. قال القشيري: أي: مؤبداً مخلَّداً، لا يخرجون من الجنة، ولا مما هم عليه من الحال. هـ. وجعل العمل عمدة، والإيمان حالاً للإيذان بأنه لا عبرة بالعمل بدونه. وأنَّ ثوابه أعلى من ذلك. الإشارة: قال الورتجبي: سبيل الرشاد: طريق المعرفة، ومعرفة الله تعالى: موافقته ومتابعة أنبيائه وأوليائه، ولا تحصل الموافقة إلا بترك مراد النفس، ولذلك قال: { يا قوم إنما هذه الحياة الدينا متاع }. قال محمد بن علي الترمذي: لم تزل الدنيا مذمومة في الأمم السابقة، عند العقلاء منهم، وطالبوها مهانين عند الحكماء الماضية، وما قام داع في أمة إلا حذَّر متابعةَ الدنيا وجمعها والحب لها، ألا ترى مؤمن آل فرعون كيف قال: { اتبعون أهدكم سبيلَ الرشاد } ، كأنهم قالوا: وما سبيل الرشاد؟ قال: { إِنما هذه الحياة الدنيا متاع } أي: لن تصل إلى سبيل الرشاد وفي قلبك محبة الدنيا وطلب لها. هـ.