الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } * { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } * { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وأنذِرْهُم يوم الأَزفةِ } أي: القيامة، سُميت بها لأزوفها، أي: قُربها. فالأُزوف والازدلاف هو القرب، غير أن فيه إشعاراً بضيق الوقت، أو الخطة الأزفة، وهي مشارفة أهل النار لدخولها، ثم أبدل من يوم الآزفة قوله: { إِذِ القلوبُ لدى الحناجر } أي: التراقي، يعني: ترتفع قلوبُهم عن مقارّها، فتلتصق بحناجرهم من الرعب، فلا هي تخرج فيموتوا فيستريحوا، ولا ترجع إلى مقارها فيتروّحوا. حال كونهم { كاظمين } ممسكين الغيظ بحناجرهم، أو: ممسكين قلوبهم بحناجرهم، يرومون ردها لئلا تخرج، فهو حال من القلوب، وجمعت جمع السلامة لوصفها بالكظم، وهو من أوصاف العقلاء، أو: من أصحاب القلوب إذ الأصل: قلوبهم، أو: من ضميرها في الظرف، { ما للظالمين من حميمٍ } أي: قريب مشفق { ولا شفيعٍ يُطاع } أي: ولا شفيع تُقبل شفاعته، فالمراد: نفي الشفاعة والطاعة، كقول الشاعر:
وَلاَ تَرَى الضّبَّ فيها يَنْجَحِرْ   
يريد به: نفي الضب وانجحاره. وكقول الآخر:
عَلَى لاحِبٍ لا يُهتدَى بِمَنَارِه   
وإن احتمل اللفظ نفي الطاعة دون الشفاعة. فعن الحسن البصري: " والله ما يكون لهم شفيع ألْبتة ". ووضع " الظالمين " موضع الضمير للتسجيل عليهم بالظلم وتعليل الحكم به. { يعلم خائنةَ الأعين } أي: النظرة الخائنة، كاستراق النظر إلى ما لا يحلّ. قيل: فيه تقديم وتأخير، أي: الأعين الخائنة، وقيل: مصدر، كالعافية، أي: خيانة الأعين. قال ابن عباس رضي الله عنه: هو الرجل يكون جالساً مع القوم، فتمر المرأة، فيسارقهم النظر إليها. هـ. وقال ابن عطية: متصل بقوله: { سريع الحساب } ، فيحاسب على خيانة الأعين، وقالت فرقة: متصل بقوله: { لا يَخفى على الله منهم شيء } ، وهذا حسن، يُقويه تناسب المعنيَيْن، ويُبعده بعدُ الآية من الآية، وكثرة الحائل. والحاصل: أنه متصل بما تقدّم من ذكر الله ووصفه، واعترض في أثناء ذلك بوصف القيامة لما استطرد إليه من قوله: { ليُنذر يوم التلاق } الآية. قاله المحشي. { و } يعلم { ما تُخفي الصدورُ } أي: ما تُكنّه من خيانة وأمانة. وقيل: هو أن ينظر إلى أجنبية بشهوةٍ مسارقة، ثم يتفكّر بقلبه في جمالها، ولا يعلم بنظرته وفكرته مَن حَضرَه، والله يعلم ذلك كله. { والله يقضي بالحق } أي: ومَن هذه صفاتُه لا يقضي إلا بالعدل، فيُجازي كُلاًّ بما يستحقه إذ لا يخفى عليه خفيّ ولا جليّ، { والذين يَدْعُون } يعبدونهم { من دونه } من الآلهة { لا يقضون بشيء } ، وهذا تهكُّم بهم لأن الجماد الذي لا يعقل لا يقال فيه: يقضي ولا يقضي، وقرأ نافع بالخطاب أو: على إضمار " قل " ، { إِن الله هو السميعُ البصير } تقرير لقوله: { يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور } ووعيد لهم لأنه يسمع ما يقولون، ويُبصر ما يعملون، وأنه يعاقبهم عليه، وتعريض بما يدعون من دون الله، بأنها لا تسمع ولا تُبصر.

السابقالتالي
2