الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ... } قلت: استنبط الشيء: استخرجه من غيره، وأصل الاستنباط: إخراج النبط، وهو الماء، يخرج من البئر أول ما يحفر، والجار في { منهم }: إما بيان للموصول، أي: لعلم المستنبطون الذين هم أولو الأمر، أو يتعلق بعلم، أي: لعلمه الذين يستخرجونه إلى الناس من أولي الأمر. يقول الحقّ جلّ جلاله: في ذمّ المنافقين أو ضعفة المسلمين: { وإذا جاءهم أمرٌ } أي: خبر عن السرايا الذين توجهوا للغزو، من نصر وغنيمة وأمن أو خوف، وقتل وهزيمة، { أذاعوا به } أي: تحدثوا به، وأشهروه، وأرجفوا به قبل أن يصل إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأكابر الصحابة، الذين هم أولو الأمر وأهل البصائر، فيعرفون كيف يتحدثون به، ولو ردوا ذلك { إلى الرسول } وأخبروه به سرًا، أو سكتوا حتى يصل إليه، أو يردوه { إلى أولي الأمر } من أكابر الصحابة، لعلمه الذين يستخرجونه إلى الناس { منهم } فينقلونه على وجهه، ويعرفون كيف يتحدثون به من غير إرجاف ولا تخويف، أو { لعَلمَه الذين يستنبطونه } وهم أولو الأمر أولاً، ثم يعلم الناس، فلا يكون فيه إرجاف ولا سوء أدب. أو: وإذا جاءهم أمر من وحي السماء: من تخويف أو تأمين، أذاعوا به قبل أن يظهره الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ولو سكتوا وردوا ذلك إلى الرسول حتى يتحدث به للناس، ويظهره أولو الأمر من أكابر أصحابه، لعلمه الذين يستخرجون ذلك الوحي من أصله، وهو الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأكابر أصحابه، كما فعل عمر رضي الله عنه: إذ سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، فدخل عليه فقال: أطلقت نساءك؟ قال: " لا " فقال على باب المسجد، فقال: إن رسول الله صلى عليه وسلم لم يطلق نساءه، فأنزل الله هذه القصة، قال: وأنا الذي استنبطته. والله تعالى أعلم. الإشارة: قالت الحكماء: قلوب الأحرار قبور الأسرار، وهذه الخصلة التي ذمَّها الله تعالى توجد في كثير من العوام مهما سمعوا خبرًا: خيرًا أو شرًا، بادروا إلى إفشائه، ولا سيما إذا سمعوه على أهل النسبة أو أهل الخصوصية، وقد تُوجد في بعض الفقراء، وهي غفلة ونوع من الفضول، فالفقير الصادق غائب عن أخبار الزمان وأهله، وقد ترك الناسَ وما هم فيه، وقد تغلب عليه الغيبة في الله حتى تغيب عنه الأيام، وأما الفقير الذي يتسمع الأخبار ويبحث عنها فلا نسبة له في الفقر، إلا اسم بلا مسمى، وقد ترى بعض الفقراء، يُبلِّغُ مساوِىءَ إخوانه إلى المشايخ، وهو سبب الطرف، والعياذ بالله.

السابقالتالي
2