الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } * { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } * { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } * { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

قلت: الحِذر والحَذَر واحد، كالشِّبه والشِّبَه، وبَطًأ يستعمل لازمًا بمعنى ثقل، ومتعديًا ـ بالتضعيف ـ أي: بطَّأ غيره، و { لَمَن ليبطئن } اللام الأولى للابتداء، والثانية للقسم، أي: وإنَّ منكم ـ أُقسم بالله ـ لمن ليبطئن. وجملة: { كأن لم يكن }: اعتراضية بين القول والمقول، تنبيهًا على ضعف عقيدتهم، وأن قولهم هذا قولُ من لا مواصلة بينكم وبينه. يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا } تأهبوا واستعدوا لجهاد الأعداء، و { خذوا حذركم } منهم بالعُدَّةِ والعَدَد، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، ولا حجة فيه للقدرية لأن هذا من الأسباب التي ستر الله بها أسرار القدرة. وقد قال لنبيِّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ:قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } [التوبة:51] وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " اعقلها وتوكل " وفي ذلك طمأنينة للقلوب التي لم تطمئن وتشريعًا للضعفاء، فإذا تأهبتم واستعددتم { فأنفروا } أي: اخرجوا إلى الجهاد { ثُباتٍ } أي: جماعات متفرقة، سرية بعد سرية، { أو انفروا جميعًا } أي: مجتمعين مع نبيكم، أو مع أميركم. { وإن منكم } يا معشر المسلمين { لمن ليبطئن } الناس عن الجهاد، أول ليتثاقلن ويتخلفن عنه، وهو عبدالله بن أُبُيّ المنافق، وأشباهه من المنافقين، { فإن أصابتكم مصيبة } كقتل أو هزيمة { قال قد أنعم الله عليّ } حين تخلفت { إذا لم أكن معهم شهيدًا } فيصيبني ما أصابهم. { ولئن أصابكم فضل من الله } ، كنصر وغنيمة، { ليقولن } لفرط عداوته: { يا ليتني كنتُ معهم فأفوز فوزًا عظيمًا } ، بالمال والعز. كأن ذلك المنافق، لم يكن بينكم وبينه مودة ولا مواصلة أصلاً، حيث يتربص الدوائر، يفرح بمصيبتكم ويتحسر بعزكم ونصركم. فإن تثاقل هذا عن القتال أو بطَّأ غيره، { فليقاتل في سبيل الله } أهلُ الإخلاص والإيمان { الذين يشرون } ، أي: يبيعون { الحياة الدنيا بالآخرة } ، فيؤثرون الآخرة الباقية على الدنيا الفانية، { ومن يقاتل في سبيل الله } لإعلاء كلمة الله { فيُقتل } شهيدًا { أو يَغلب } عدوه وينصره الله { فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا } ، وإنما قال تعالى: { فيُقتل أو يَغلب } تنبيهًا على أن المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة، حتى يعز نفسه بالشهادة، أو الدين بالظفر والنصر. وألا يكون قصده بالذات القتل، بل إعلاء الحق وإعزاز الدين. قاله البيضاوي. الإشارة: يا أيها الذين آمنوا إيمان الخصوص خذوا حذركم من خدع النفوس، لئلا تعوقكم عن حضرة القدوس، فانفروا إلى جهادها ثُباتٍ أو جماعة " فإن يد الله مع الجماعة، فالصحبة عند الصوفية شرط مؤكد وأمر محتم. والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح، فالنفس الحية لا تموت مع الأحياء، وإنما تموت مع الأموات، فهي كالحوت ما دامت في البحر مع الحيتان لا تموت أبدًا، فإذا أخرجتها وعزلتها عن أبناء جنسها ماتت سريعًا.