قلت: { أم } بمعنى بل، و { سعيرًا } تمييز. يقول الحقّ جلّ جلاله: توبيخًا لليهود على الحسد: { أم يحسدون الناس } ، أي: العرب حيث انتقلت النبوة إليهم، وقد كانت في أسلافهم، { على ما آتاهم الله من فضله } ، وهو ظهور النبوة فيهم، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه اجتمع فيه ما افترق في سائر الناس، حسدوه على ما آتاه الله من فضله، من النبوة وغيرها، وقالوا ـ لعنهم الله ـ: ما له همٌّ إلا النساء ولو كان نبيًا لشغله أمر النبوة عن النساء. فكَّذبهم الله ـ تعالى ـ وردَّ عليهم بقوله: { فقد آتينا آل إبراهيم } وهم: يوسف وداود وسليمان، { الكتاب والحكمة } أي: النبوّة، { وآتيناهم مُلكّاً عظيمًا }. فقد اجتمع لداود عليه السلام مائة امرأة. ولسليمان ـ عليه السلام ـ ألف امرأة: ثلاثمائة مهيرة، ـ أي بالمهرـ وسبعمائة سرية، فقال لهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين نزلت الآية: ألف امرأة عن رجل، ومائة امرأة عند آخر، أكثر من تسع نسوة، فسكتوا. { فمنهم } أي: اليهود، { من آمن به } أي: بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ كعبد الله بن سلام وأصحابة، { ومنهم من صدّ عنه } أي: أعرض عنه، أو: من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم، { ومنهم من صدّ عنه } ، ولم يكن في ذلك توهين لقدر إبراهيم، فكذلك لا يُوهن كفرُ هؤلاء أمرَك، أو: من أسلافهم من آمن بما أُوتي آل إبراهيم من الكتاب والحكمة والمُلك، { ومنهم مَن صدّ عنه } ، كما فعلوا مع سليمان وغيره. { وكفى بجهنم سعيرًا } لمن كفر بما جاء به أحد من الرسل، أي: فإن لم يُعاجَلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم. ثم بيَّن مآل من كفر، فقال: { إن الذين كفروا بآياتنا } المنزلة على رسلنا، أو الدالة على وحدانيتنا، { سوف نصليهم نارًا } أي: نحرقهم بها ونشويهم، { كلما نضجت جلودهم } أي: لانت واحترقت { بدّلناهم جلودًا غيرها } ، قال صلى الله عليه وسلم: " تُبدَّلُ في ساعةٍ مائةَ مَرَّة " وقال الحسن: تأكلهم النارُ في كل يوم سبعين ألف مرة، كلما أكلتهم وأنضجتهم قيل لهم: عودوا فيعودوان كما كانوا. وقال مجاهد: ما بين جلده ولحمه دود، لها جلبة ـ أي حركة ـ وهرير كجلبة حمر الوحش. رَوى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " غلظٌ جِلدِ الكَافِرِ اثنَانٍ وأربعَونَ ذرَاعًا، وضِرسه مِثلُ أحُد ". وإنما بدلت جلودهم { ليذوقوا } ألم { العذاب } ، أي: يدوم لهم ذلك بخلق جلد آخر مكانه، والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية لا لآلة إدراكها، فلا محذور، { إن الله كان عزيزًا } لا يمتنع عليه ما يريد، { حكيمًا } يعاقب على قدر حكمته.