الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

قلت: جملة { وأنتم سكارى }: حال، وسكارى: جمع سكران، ويجمع على سُكارى بالفتح وسكْرى بالسكون، و { لا جُنُبًا } عطف على جملة الحال، و { جُنب } يستوي فيه الواحد والاثنان والجماعة والمذكر والمؤنث، لأنه يجري مجرى المصدر فلا يُثنى ولا يُجمع. و { إلا عابري } مستثنى من عام الأحوال، وأصل الغائط: الموضع المنخفض من الأرض، ثم أطلق على الواقع فيه مما يخرج من الإنسان. يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى }: لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من خمر، أو غلبة نوم، أو شدة غفلة، { حتى تعلموا ما تقولون } في صلاتكم، وتتدبروا ما تقرأون فيها، فالصلاة من غير حضور خاوية، وعند الخصوص باطلة، رُوِي أن عبد الرحمن بن عَوف صنَع مأدبة، ودَعَا إليها نفرًا من الصحابة، حين كانت الخمر مباحة، فأكلوا وشربوا حتى ثَمِلُوا، وجاء وقت صلاة المغرب، فتقدم أحدهم ليصلي بهم، فقرأ: أعبد ما تعبدون ـ من غير نفي ـ فنزلت الآية قبل تحريم الخمر، ثم حرمت بآية المائدة. ولا تقربوها حالة جنابتكم في آي حال كان، { إلا عابري سبيل } أي: في وقت سفركم، حيث لم تجدوا ماءً، بدليل ما يأتي، فيتيمم ويقرب الصلاة وهو جنب، وفيه دليل أن التيمم لا يرفع الحدث، قيل المراد بالصلاة مواضعها، وهي المساجد فلا يدخلها الجنب إلا مارًا، وبه قال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ وقال أبو حنيفة: لا يجوز المرور، إلاَّ إذا كان فيه الماء والطريق. وقال مالك: لا يدخل إلا بالتيمم ولا يمر به أصلاً. فلا تقربوا الصلاة وأنتم جنب { حتى تغتسلوا }. { وإن كنتم مرضى } تخافون ضرر الماء، أو زيادته، أو تأخر برء، أو منع الوصول إلى الماء، { أو على سفر } لم تجدوه فيه، { أو } كنتم في الحضر مُحدِثِين حيث { جاء أحد منكم من الغائط } ، أو البول، أو بغيره من الأحداث، { أو لامستم النساء } أي: مست بشرتكم بشرتهن، بقصد اللذة أو عند وجدانها، وبه قال مالك. وقال الشافعي: ينقض مطلقًا، قصد أم لا، وجد أم لا، ولو بميتة، وقال أبو حنيفة: إن كانت ملامسه فاحشة بحيث يحصل الانتشار نقضت، وإلا فلا. وقال ابن عباس والحسن البصري ومحمد بن الحسن: لا تنقض الملامسة مطلقًا، ويقاس على اللمس سائر نواقض الأسباب، فتحصَّل أن " أو " تبقى على أصلها من التقسيم، فتكون الآية نصًا في تيمم الحاضر الصحيح، وبه قال مالك، ولا يعيد. وقال الشافعي: يُصلي بالتيمم ويُعيد، وقال أبو حنيفة: لا يُصلي حتى يجد الماء، ومن قال: " أو " بمعنى الواو فخروج عن الأصل بلا داع. ثم قيّد التيمم في هذه الأحوال بفقد الماء، فقال: { فلم تجدوا ماء } كافيًا، أو لم تقدروا على استعماله، { فتيمموا } أي: اقصدوا { صعيداً طيبًا } أي: ظاهرًا، وهو ما صعد على وجه الأرض من جنسها كتراب، وهو الأفضل، وثلج وخضخاض وحجر ومدر، لا شجر وحشيش ومعدن ذهب وفضة، وما التحق بالعقاقير، كشب، وملح، وكبريت، وغاسول وشبهه، فلا يجوز.

السابقالتالي
2