الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }

قلت: الذرة: النملة الصغيرة الحمراء. وتطلق على جزء من أجزاء الهباء. ومن نَصَب { حسنة } فَخَبَرُ كان. وأُنث الضمير باعتبار الخبر. أو لإضافة مثقال إلى ذرة، فاكتسب التأنيث، ومن رفع فهي تامة، وحذف نونها على غير قياس، تشبيهًا لها بحروف العلة. وضاعف وضّعف بمعنى واحد. يقول الحقّ جلّ جلاله: { إن الله لا يظلم } أحدًا بحيث ينقص من ثواب عمله، أو يزيد في عقبا ما يستحقه، ولو مثقال ذرة. بل يجازي كلاً على قدر عمله. فإن كان صالحًا، ولو صغر قدره، عظُم أجره. { فإن تك حسنة يُضاعفها } بعشر أمثالها إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، بحسب الإخلاص. قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ اللهَ يُعْطِي المُؤمنَ عَلى الحَسَنة ألفي ألف حَسَنة " ، ثم تلا { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } الآية. { ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا } ، وخيرًا جسيمًا، فضلاً منه وإحسانًا. قال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللهَ لا يظلم المُؤمنَ حَسنةً، بل يُثاب عليها الرزق في الدُنيَا ويجزيه بها في الآخِرَةِ. والكَافِر يعطيه بها في الدُّنيَا، فإذا كان يوم القيامة لم يكُن لَهُ حَسَنةٌ ". الإشارة: كما أن الحق تعالى لا يظلم طالبي الأجور، بل يضاعف لهم في زيادة الحور والقصور، كذلك لا يبخس طالبي القرب والحضور، ورفع الحُجب والستور. بل كلما فعلوا من أنواع المجاهدات ضاعف لهم أنوار المشاهدات. وكلما نقص لهم من الحس ـ ولو مثقال ذرة ـ زادهم في المعنى قَدْرَهُ وأكثر شهودًا ونظرة. وكلما يقهر النفس ولو مقدار الفتيل، شربوا مقداره وأكثر من خمرة الجليل، وهذا كله مع صحبة المشايخ أهل التربية، وإلاَّ فلا تزيده مجاهدته إلا حَجبًا وبعدًا عن الخصوصية. والله تعالى أعلم.