الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }

قلت: الجُنب ـ بالضم ـ: البعيد، يقال فيه: جُنُب وأجنب وأجنبي، وسمي الجُنبُ جُنُبًا لأنه يبعد من المسجد وعن الصلاة وعن التلاوة، ومختال أسم فاعل، وأصله: مختيل، بالكسر، من الخُيَلاَء وهو التكبر. يقول الحقّ جلّ جلاله: { واعبدوا الله } أي: وَحِّدُوه وأطيعوه { ولا تشركوا به شيئًا } جليًا أو خفيًا في اعتقادكم أو في عبادتكم، فمن قصد الحج والتجارة، فقد أشرك مع الله في عبادته، وأحسنوا بالوالدين إحسانًا حسنًا، وهو برهما والقيام بحقهما، { وبذي القربى } ، أي: القرابة في النسب، أو الدين { واليتامى } لضعف حالهم، { والمساكين } لقلة ما بيدهم، وقد شكى بعض الناس قساوة قلبه، فقال له عليه الصلاة والسلام: " إن أردتَ أن يلين قلبُك، فأطعم والمسكين وامسح رأس اليتيم، وأطعمه ". { والجار ذي القربى } الذي قّرُب جواره أو نسبه، { والجار الجُنب } الذي بَعُد مكانه أو نسبه، وحَدَّد بعضُهم الجوار بأربعين دارًا من كل ناحية. وقال ابن عباس: الجار ذي القربى: الجار الذي بينك وبينه قرابة، والجار الجنب: الجار من قوم آخرين. هـ. قيل يا رسول الله: ما حق الجار على الجار قال: " إن دعاك أجبتَه، وإن أصابته فاقةٌ عُدتَ عليه، وإن استقرضك أقرضته، وإن أصابه خير هنأته، وإن مرض عُدْتَه، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن توفي شهدت جنازته، ولا تستعل عليه بالبنيان لتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقُتار قدرك ـ أي: بخارها ـ إلا أن تغرف له منها، وإن ابتعت فاكهة فأهد له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سرًا، ولا يخرج ولدك منها بشيء فيغيظ ولده، " ثم قال: " الجيران ثلاثة: فَجَارٌ له ثلاثة حقوق: حق الجوَارِ، وحق القرابة، وحق الإسلام، وجار له حقان: حق الجِوَار، وحق الإسلام، وجَارٌ له حق واحد: وهو المشرك من أهل الكتاب ". { والصاحب بالجنب } ، وهي الرفيق في أمر حسن، كتعلم وتصرف وصناعة وسفر، فإنه صحبك بجنبك، وعن علي ـ كرم الله وجهه ـ أنها الزّوجة، فيتأكد في حقها الإحسان زيادة على المعاشرة بالمعروف، قال بعضهم: أول قدم في الولاية كفّ الأذى وحمل الجفا، ومعيار ذلك حسن معاشرة الأهل والولد، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنسَائِه، وأنَا خَيْرُكُمْ لِنسَائِي " { وابن السبيل } ، وهو الضيف أو المسافر لغرابته، { وما ملكت أيمانكم } ، من الإماء والعبيد، وكَانَ آخِرُ كلامِ النّبُي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " الصلاةَ الصَلاةَ وَمَا مَلَكتْ أيمانُكُمْ ". { إن الله لا يحب مَن كان مختالاً } أي: متكبراً، يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم، { فخورا } يتفاخر عليهم بماله وجاهه، وما خوله الله من نعمه، فهو جدير أن تسلب منه.

السابقالتالي
2