الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } * { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { إن الذين آمنوا ثم كفروا } ثم تكرر منهم الإيمان والكفر، ثم أصروا على الكفر وهم المنافقون، { لم يكن الله ليغفر لهم } لما سبق لهم من الشقاء، أو { إن الذين آمنوا } بموسى { ثم كفروا } بعبادة العجل { ثم آمنوا } حين تابوا { ثم كفروا } بعيسى { ثم ازدادوا كفرًا } بمحمد صلى الله عليه وسلم ن { لم يكن الله ليغفر لهم } ، وهم اليهود، والأول أظهر، لأن الكلام بعده في المنافقين، فقال تعالى في شأنهم: { لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً } أي: طريقاً توصلهم إلى الحق، إذ يُستبعد منهم أن يتوبوا، فإن قلوبهم أشربت الكفر، وبصائرهم عميت، لا ينفع علاجها، لا أنهم لو أخلصوا الإيمان لم ينفعهم، وقد يكون إضلالهم عقابًا لسوء أفعالهم. ثم ذكر وعيدهم فقال: { بشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا }. وهم { الذين يتخذون الكافرين أولياء } أي: أحبابًا وأصدقاء { من دون المؤمنين } ، وقد كان الكفار قبل ظهور الإسلام لهم الصولة والجاه، فطلب المنافقون أن ينالوا بولايتهم ومصادقتهم العزّ منهم، فردّ الله عليهم بقوله: { أيبتغون عندهم العزة } بولايتهم؟ { فإن العزة لله جميعًا } ولرسوله ولأوليائه، ولا عزة لغيره إذ لا يعبأ بعزة لا تدوم ويعقبها الذل. الإشارة: من كان ضعيفَ الاعتقاد في أهل الخصوصية، ضعيفَ التصديق، تراه تارة يدخل وتارة يخرج، وتارة يصدق وتارة ينكر، لا يُرجى فلاحُه في طريق الخصوص، فإن ضم إلى ذلك صحبة أهل الإنكار وولايتهم، فبشره بالخيبة والخسران، فإن تعزز بعزهم أعقبه الذل والهوان، والعياذ بالله من الخذلان، فالعز إنما يكون بعز التوحيد والإيمان، وعزة المعرفة والإحسان، وبصحبة أهل العرفان، الذين تعززوا بعز الرحمن، فمن تعزز بعز يفنى مات عزه، ومن تعزز بعز يبقى دام عزه، والشبكة التي يصطاد بها العزّ هو الذل لله، يظهره بين عباد الله. قال بعضهم: والله ما رأيت العز إلا في الذل. وقال الشاعر:
تَذَلَّل لمن تَهوَى لتكسِب عزَّةً فَكَم عِزَّةٍ قَد نَالَهَا المَرءُ بالدُّلِّ   
وبالله التوفيق.