الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

قلت: { امرأة }: فاعل بفعل يفسره ما بعده، وأصل يَصَّالِحَا: يتصالحا، فأدغمت، و { صُلحًا } مصدر. وقرأ الكوفيون: { يُصلحا } من الرباعي، فتنصب { صُلحًا } على المفعول به، أو المصدر، و { بينهما } ظرف، أو حال منه، وجملة { الصلح خير }: معترضة، وكذا: { وأحضرت الأنفس الشح } ، ولذلك اغتفر عدم تجانسهما. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وإن امرأة خافت } وتوقعت من زوجها { نُشُوزًا } أي: ترفعًا عن صحبتها، وتجافيًا عنها، كراهية لها، ومنعًا لحقوقها، { أو إعراضًا } عنها، بأن يترك مجالستها، ومحادثتها، { فلا جناح عليهما } أن يتصالحا { بينهما صلحًا } بإن تحط له مهرها، أو من قسمها مع ضرتها، أو تهب له شيئًا تستميله به. نزلت في سعد بن الربيع، تزوج على امرأته شابةً، وآثرها عليها. وقيل: في رجل كبرت امرأته، وله معها أولاد. فأراد طلاقها ليتزوج، فقالت له: دعني على أولادي، وأقسم لي في كل شهرين أو أكثر، أو لا تقسم. فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: " قد سمع الله ما تقول، فإن شاء أجابك " ، فنزلت. وقيل: نزلت في سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، لما كبرت، أراد ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يُفارقها، فقالت: أمسكني في نسائك ولا تقسم لي، فقد وهبتُ نوبتي لعائشة، فإني أريد أن أُبعث في نسائك. ثم رغَّب في الصلح فقال: { والصلح خير } من المفارقة، أو من سوء العشرة والخصومة، أو خير في نفسه، ولا يكون إلا مع ترك بعض حق النفس من أحد الخصمين، فلذلك ثقل على النفس فشحت به، وإليه أشار بقوله: { وأحضرت الأنفس الشح } أي: جعلته حاضرًا لديها لا يفارقها، لأنها مطبوعة عليه، فالمرأة لا تكاد تسمح للزوج من حقها، ولا تسخو بشيء تعطيه لزوجها، والزوج لا يكاد يصبر على إمساكها وإحسان عشرتها إذا كَرِهها، { وإن تحسنوا } العشرة { وتتقوا } النشوز والإعراض ونقص حق المرأة مع كراهة الطبع لها، { فإن الله كان بما تعملون خبيرًا } لا يخفى عليه إحسانكم ولا نشوزكم، فيجازي كُلاًّ بعمله، وفي بعض الأثر: من صبرعلى أذى زوجته أعطاه الله ثواب أيوب عليه السلام، وكذلك المرأة. والله تعالى أعلم. الإشارة: اعلم أن النفس كالمرأة حين يتزوجها الرجل، فإنها أذا رأت من زوجها الجد في أموره والانقباض عنها، هابته وانقادت لأمره، وإذا رأت منه الليونة والسيولة استخفت بأمره وركبته، وسقطت هيبته من قبلها، فإذا أمرها ونهاها لم تحتفل بأمره، وكذلك النفس إذا رأت من المريد الجد في بدايته والصولة عليها، هابته وانقادت لأمره وكانت له سميعة مطيعة، وإذا رأت منه الرخو والسهولة معها، ركبته وصعب عليه انقيادها وجهادها، فإذا صال عليها وقهرها فأرادت الصلح معه على أن يسامحها في بعض الأمور، وتساعفه فيما يُريد منها، فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحًا، والصلح خير، فإن دوام التشديد قد يفضي إلى الملل، وإن تحسنوا معها بعد معرفتها، وتتقوا الله في سياستها ورياضتها حتى ترد بكم إلى حضرة ربها، فإن الله كان بما تعملون خبيرًا.