الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } * { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً }

الإشارة: { من ذكر أو أنثى }: حال من الضمير في { يعمل } ، وكذا قوله: { وهو مؤمن } و { حنيفًا } ، حال من { إبراهيم } لأنه جزء ما أضيف إليه. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ومن يعمل } شيئاً { من } الأعمال { الصالحات } وهو المهم من المكلف به، إذ لا طاقة للبشر على الإتيان بكلها. حال كون العامل { من ذكر أو أنثى } إذ النساء شقائق الرجال في طلب الأعمال، والحالة أن العامل { مؤمن } لأن الإيمان شرط في قبول الأعمال، فلا ثواب على عمل ليس معه إيمان. ثم ذكر الجواب فقال { فأولئك يدخلون الجنة } أي: يتصفون بالدخول، أو يدخلهم الله الجنة، { ولا يُظلمون } أي: لا ينقصون من ثواب أعماله { نقيرًا } أي: مقداره، وهو النقرة في ظهر النواة. قال البيضاوي: وإذا لم ينقص ثواب المطيع فبالأخرى ألا يزيد في عقاب العاصي، لأن المجازي أرحَمُ الراحمين. هـ. { ومَن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه لله } أي: لا أحد أحسن دينًا ممن انقاد بكليته إلى مولاه { وهو محسن } أي: مُوَحَّدٌ أحسَنَ فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين عباد الله، { واتبع ملة إبراهيم حنيفًا } بأن دخل في الدين المحمدي الذي هو موافق لملة إبراهيم بل هو عينه، فمن ادعى أنه على ملة إبراهيم ولم يدخل فيه فقد كذب. ثم ذكر ما يحث على اتباع ملته، فقال: { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } أي: اصطفاه وخصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، وإنما أعاد ذكره ولم يضمر تفخيمًا له وتنصيصًا على أنه الممدوح، وسمي خليلاً لأنه قد تخللت محبة الله في جميع أجزائه. رُوِي أن إبراهيم عليه السلام كان يضيف الناس، حتى كان يسمى أبا الضيفان، وكان منزله على ظهر الطريق، فأصاب الناسَ سَنَةٌ، جهدوا فيها، فحشد الناسُ إلى باب إبراهيم، يطلبون الطعامَ، وكانت الميرة كل سنة تصله من صديق له بمصر، فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي له بمصر يسأله الميرة، فقال لغلمانه: لو كان إبراهيم يريد لنفسه احتملت له ذلك، ولكنه يريد للأضياف، وقد أصابنا ما أصاب الناس، فرجع الرسل إليه، ومرّوا ببطحاء لينة، فملؤوا منها الغرائر حياء من الناس، وأتوا إبراهيم فأخبروه، فاهتم إبراهيم لمكان الناس ببابه، فنام، وكانت سارة نائمة فاستيقظت، وقالت: سبحان الله! أما جاء الغلمان؟ فقالوا: بلى، فقامت إلى الغرائر فإذا فيها الحُوَّرَى ـ أي: الخالص من الدقيق ـ فخبزوا وأطعموا؟ فاستيقظ إبراهيم، وشم رائحة الخبز، فقال: يا سارة. من أين هذا؟ فقالت: من عند خليلك المصري، فقال: هذا من عند خليلي الله ـ عز وجل، فحينئذ سماه الله خليلاً. قال الزجاج: ومعنى الخليل: الذي ليس في محبته خَلَ، أو لأنه ردَّ خلَته، أي: فقره إلى الله مخلصًا.

السابقالتالي
2