الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

قلت: اسم ليس ضمير الأمر، أي: ليس الأمر بأمانيكم. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ليس } هذا الوعد الذي ذكرت لأهل الإيمان يُنَال { بأمانيكم } أي: تمنيكم أيها المسلمون، ولا بأماني { أهل الكتاب } ، أي: لا يكون ما تتمنون ولا ما يتمنى أهل الكتاب، بل يحكم الله بين عباده ويجازيهم بأعمالهم. رُوِي أن المسلمين وأهل الكتاب تفاخروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى منكم، نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة، فنزلت. وقيل: الخطاب مع المشركين، وهو قولهم: لا جنة ولا نار، أو قولهم: إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لتكونن خيرًا منهم وأحسن حالاً. وأماني أهل الكتاب: قولهملَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلآ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ } [آل عِمرَان:24]، ولَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارى } [البَقَرَة:111]، ثم قرر ذلك فقال: { من يعمل سوءًا يجز به } عاجلاً أو آجلاً لما رُوِي أنه لما نزلت قال أبو بكر: من ينجو مع هذا يا رسول الله، إن كنا مجزيين بكل سوء عملناه؟ فقال له ـ عليه الصلاة والسلام ـ " أما تحزن؟ أما تمرض؟ أما يصيبك اللأواء؟ " قال بلى يا رسول الله، قال: " هو ذلك " فكل من عمل سوءًا جوزي به، { ولا يجد له من دون الله وليًا } يليه ويدفع عنه، { ولا نصيرًا } ينصره ويمعنه من عذاب الله. الإشاره: لا تُنال المراتب بالأماني الكاذبة والدعاوي الفارغة، وإنما تنال بالهمم العالية، والمجاهدات القوية، إنما تنال المقامات العالية بالأعمال الصالحة، والأحوال الصافية، وأنشدوا:
بِقَدرٍ الكذِّ تُكتَسَبُ المَعَالِي من أراد العز سهر الليالي تُرِيدُ العزَّ ثُم تَنَامُ لّيلاً يَغُوضُ البحر مَن طَلَبَ اللآلي   
ولما نزل قوله تعالى: { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب... } الآية. قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواء.