الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً } * { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } * { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } * { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً }

قلت: المَرِيد والماردهو الذي لا يعلق بخير، وأصل التركيب للملابسة، ومنه: صرح ممرَّد، وغلام أمرد، وشجرة مردى، أي: سقط ورقها. قاله اليضاوي. هـ. وقيل: المريد: الشديد العاتي، الخارج عن الطاعة. يقول الحقّ جلّ جلاله: { إنْ يدعون }: ما يعبدون { من دونه } تعالى { إلا إناثًا } كاللات والعزى ومناة، فإن ألفاظها مؤنثة عندهم، أو لأنها جوامد لا تعقل، فهي منفعلة لا فاعلة، ومن حق المعبود أن يكون فاعلاً غير منفعل، أو يريد الملائكة لأنهم كانوا يعبدونها، ويزعمون أنها بنات الله، وما يعبدون في الحقيقة { إلا شيطانًا مريدًا } عاصيًا، لأنه هو الذي أمرهم بها، وأغراهم عليها، وكان يكلمهم من أجوافها. ثم وصفه بأوصاف تُوجب التنفير عنه فقال: { لعنه الله } أي: أبعده من رحمته { وقال لأتخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا } أي: مقطوعًا فرضته لنفسي، من قولهم: فرض له في العطاء، أي: قطع، { ولأضلنّهم } عن الحق { لأمنينّهم } الأماني الباطلة، كطول الحياة، وألاَّ بعث ولا عقاب، { ولآمرنهم فليبتكنّ آذان الأنعام } أي: يشقونها لتحريم ما أحل الله، وهي عبارة عما كانت العرب تفعل بالبحائر والسوائب، وإشارة إلى تحريم كل ما أحل الله، ونقص كل ما خلق الله كاملاً بالفعل أو بالقوة، { ولآمرنهم فليُغَيّرُنّ خلق الله } صورة أو صفة، فيندرج فيه خصاء العبيد والوشم، والتنمص ـ وهو نتف الحاجب ـ. زاد البيضاوي: واللواط، والمساحقة، وعبادة الشمس القمر، وتغيير فطرة الله التي هي الإسلام، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالاً ولا يوجب لها من الله زلفى. وعموم اللفظ يقتضي منع الخِصاء مطلقًا، لكن الفقهاء رخصوا في خصاء البهائم للحاجة، والجُمل الأربع حكاية عما ذكره الشيطان نطقًا، أو أتاه فعلاً. هـ. ثم حذّر منه فقال: { ومن يتخذ الشيطان وليًّا من دون الله } باتباعه فيما أمره به دون ما أمر الله به، { فقد خسر خسرانًا مبينًا } واضحًا حيث ضيع رأس ماله، وأبدل بمكانة من الجنة مكانه من النار. { يعدهم } أي: الشيطان، أمورًا لا تُنجز لهم، { ويمنّيهم } أماني لا تعطى لهم، { وما يعدهم } أي: { الشيطان إلا غرورًا } ، وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر، فكان يوسوس لهم أنهم على الحق وأنهم أولى بالجنة، إلى غير ذلك من أنواع الغرور، { أولئك } المغرورون { مأواهم جهنم } أي: هي منزلهم ومقامهم، { ولا يجدون عنها محيصًا } أي: مهربًا ولا معدلاً. من حاص يحيص: إذا عدل. الإشارة: ما أحببت شيئًا إلا كنت له عبدًا، فاحذر أن تكون ممن يَعبُد من دون الله إناثًا، إن كنت تحب نفسك، وتؤثر هواها على حق مولاها، أو تكون عبد المرأة أو الخميصة أو البهيمة، أو غير ذلك من الشهوات التي أنت تحبها، واحذر أيضًا أن تكون من نصيب الشيطان بإيحاشك إلى الكريم المنان، وفي الحِكَم: " إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك، فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده ". فاشتغل بمحبة الحبيب، يكفيك عداوة العدو، فاتخذ الله وليًا وصاحبًا، ودع الشيطان جانبًا، غِب عن الشيطان باستغراقك في حضرة العِيان. وبالله التوفيق.