الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } * { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { اللهُ خالقُ كُلّ شيءٍ }: جامد أو حي، خير أو شر، إيمان أو كفر، لا بالجبر، بل بمباشرة الكاسب في عالَم الحكمة، وفيه إثبات القدرة والعلم، وهما مصححان للبعث والجزاء بالخير والشر، لمحسن أو مسيء. قال القشيري: ويدخل تحت قوله: { كل شيء } كسبُ العباد، ولا يدخل كلامُه لأن المخاطِبَ لا يدخل تحت خطابه ولا صفاته. هـ. والمراد بالكلام: المعاني القديمة، وأما الألفاظ والحروف فهي مخلوقة، كما هو مقرر في محله. { وهو على كل شيءٍ وكيل } أي: حافظ يتولى التصرُّف فيه كيف يشاء. { له مقاليدُ السماواتِ والأرضِ } أي: مفاتح خزائنها، واحدها " مِقْليد " ، أو: إقليد، أو: لا واحد لها، وأصلها فارسية، والمراد: أنه مالكها وحافظها، وهو من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبّر أمرها هو الذي يملك مقاليدها، ومنه قولهم: فلان ألقيتْ إليه مقاليد الملك، أي: مفاتح التصرف قد سُلّمت إليه، وفيه مزيد دلالة على الاستقلال والاستبداد لأن الخزائن لا يدخلها ولا يتصرف فيها إلا مَن بيده مفاتحها. وعن عثمان: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد، فقال صلى الله عليه وسلم: " هي لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، أستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير، يُحيي ويُميت وهو على كل شيء قدير " ومعناه: أن لله هذه الكلمات، يُوحّد بها ويُمجّد، وهي مفاتحُ خير السماوات والأرض، ومَن تكلّم بها أدرك ذلك في الدنيا أو في الآخرة، ومرجعها إلى التحقق بالعبودية في الظاهر، ومعرفة الذات في الباطن، وهما السبب في كل خير، وبهما يدرك العبد التصرُّف في الوجود بأسره، فتأمله. { والذين كفروا بآيات الله } أي: كفروا به بعد كونه خالق كل شيء، ومتصرفاً في ملكه كيف يشاء، بيده مقاليد العالم العلوي والسفلي، فكفروا بعد هذا بآياته التكوينية، المنصوبة في الآفاق وفي الأنفس، والتنزيلية، التي من جملتها هذه الآيات الناطقة بذلك، { أولئك هم الخاسرون } خسراناً لا خسرَ وراءه، وقيل: هو متصل بقوله: { ويُنجي الله الذين اتقوا } ، وما بينهما اعتراض. { قُلْ أفغير الله تأمروني أعبدُ أيها الجاهلون } به، وكانوا يقولون له: أسلِم لبعض آلهتنا نؤمن بإلهك لفرط جهالتهم. { وغير }: منصوب بـ " أعبد " ، و { تأمروني }: اعتراض، أي: أتأمروني أعبد غير الله بعد هذا البيان التام؟ وحذفُ نون الوقاية وإثباتها مدغمة وغير مدغمة، كُلٌّ قُرىء به. { ولقد أُوحيَ إِليك وإِلى الذين من قبِلكَ }: من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ: { لئن أشركتَ لَيَحْبَطنَّ عَمَلُكَ ولَتكُونَنَّ من الخاسرين } ، كلام وراد على طريق الفرض، لتهييج الرسل، وإقناط الكفرة، والإيذان بغاية بشاعة الإشراك وقُبحه، وكونه بحيث يُنهي عنه مَن لا يكاد يمكن أن يباشره بمَن عداه أو: الخطاب له، والمراد غيره.

السابقالتالي
2