الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ويومَ القيامة ترى الذين كَذَبوا على الله } ، بأن وصفوه بما لا يليق بشأنه، كاتخاذ الولد والشريك ونفي الصفات عنه، { وجُوهُهُم مسودةٌ } بما ينالهم من الشدة والكآبة. والجملة: حال، على أن الرؤية بصرية، أو: مفعول ثان لها، إن كانت علمية. { أليس في جهنم مَثْوىً } أي: مقام { للمتكبرين } عن الإيمان والطاعة، وهو إشارة إلى قوله: { واستكبرت } ، ولا ينافي إشعاره بأن تكبرهم علة لاستحقاقهم النار أن يكون دخولهم فيها لأجل أن كلمة العذاب حقَّتْ عليهم لأن كبرهم مسبب عنها. { ويُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوا } الشرك والمعاصي، أي: من جهنم. { بمفازتهم }: بفوزهم، مصدر ميمي، يقال: فاز بالمطلوب: ظفر به، والباء متعلقة بمحذوف، حال من الموصول، مفيدة لمقارنة نجاتهم من العذاب بنيل الثواب، أي: ينجيهم الله من مثوى المتكبرين ملتبسين بفوزهم بمطلوبهم أو: بسبب فوزهم بالإيمان والأعمال الحسنة في الدنيا، ولذا قرأ ابن عباس رضي الله عنه: " بمفازتهم بالأعمال الحسنة ". قال القشيري: كما وَقَاهم اليومَ من المخالفات، وحماهم، فكذلك غداً عن العقوبة وقاهم، فالمتقون فازوا بسعادة الدارين، اليومَ عصمة، وغداً نعمة، واليومَ عناية، وغداً كفاية. هـ. { لا يمسُّهُم السوءُ ولا هم يحزنون }: إما حال أخرى من الموصول، أو: من مفازتهم وقيل: تفسير للمفازة، كأنه قيل: وما مفازتهم؟ فقيل: لا يمسهم السوء، أي: ينجيهم بنفي السوء والحُزن عنهم، فلا يمس أبدانَهم سوء، ولا قلوبَهم حزن. الإشارة: ويوم القيامة ترى الذين كَذَبوا على الله، بالدعاوى الباطلة، من القلوب الخاوية، فكل مَن ادعى حالاً ليست فيه، أو: مرتبة لم يتحققها، فالآية تجر ذيلها عليه، واسوداد وجوههم بافتضاحهم. قال القشيري: هؤلاء الذين ادَّعوا أحوالاً، ولم يَصْدُقُوا فيها، وأظهروا المحبةَ لله، ولم يتحققوا بها، وكفى بهم ذلك افتضاحاً، وأنشدوا:
ولما ادَّعَيْتُ الحُبَّ قالت: كَذَبْتَني فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا؟ فما الحُبُّ حتى تنزفَ العينُ بالبكا وتخرسَ حتى لا تجيب المناديا   
وينجي الله الذين اتقوا شهود السِّوى من كل مكروه، بسبب مفازتهم بمعرفة الله في الدنيا، لا يمسهم السوء، أي: غم الحجاب، لرفعه عنهم على الدوام، ولا هم يحزنون على فوات شيء إذ لم يفتهم شيء حيث فازوا بالله، " ماذا فَقَد من وجدك "؟ قال الورتجبي: بمفازتهم: ما كان لهم في الله في أزل أزله، من محبتهم، وقبولهم بمعرفته، وحسن وصاله، ودوام شهود كماله. لا يمسهم السوء: لا يلحقهم، فلا يلحق بهم في منازل الامتحان، تفرقة عن مقام الوصلة، وحجاب عن جمال المشاهدة، انظر تمامه. وحاصله: فازوا بإدراك السعادة الأزلية. وعن جعفر الصادق: بمفازتهم: بسعادتهم القديمة، يعني لقوله تعالى:إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى } [الأنبياء: 101].... الآية. قاله المحشي الفاسي. ثم برهن على البعث الموعود به قبلُ، فقال: { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ }.