الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { واتَّبِعُوا أحسنَ ما أُنزل إليكم من ربكم } أي: القرآن، فإنه أحسن الحديث، ولا أحسن منه لفظاً ومعنى، أو:المأمور به دون المنهي، أو: العزائم دون الرُخص، كقوله:الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [الزمر: 18]، أو: الناسخ دون المنسوخ، ولعله ما هو أعم، فيصدق بكل ما يقرب إلى الله، كالإنابة، والطاعة، ونحوهما، { من قبل أن يأتيكم العذابُ بغتةً }: فجأة، { وأنتم لا تشعرون } بمجيئه لتداركوا وتتأهبوا. أمرتكم بذلك كراهة { أن تقول نفس } ، والتنكير للتكثير، كما في قوله:عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } [التكوير: 14]، أو: يراد به بعض الأنفس، وهي نفس الكافر، أو: يُراد نفس متميزة إما بلجاج في الكفر شديد أو بعقاب عظيم: { يا حسرتا } ، بألف بدل من ياء الإضافة لأن العرب تقلب ياء المتكلم ألفاً في الاستغاثة، فيقولون: يا ويلتا، يا ندامتا، فيخرجون ذلك على لفظ الدعاء، وربما ألحَقوا بها الهاء، فيقال: يا رباهُ، يا مولاهُ، وربما ألحقوا ياء المتكلم، جمعاً بين العوض والمعوض، وبذلك قرأ أبو جعفر: " يا حسرتاي " أي: يا ندامتاه ويا حزناه. { على ما فَرَّطتُ }: قصَّرت. و " ما ": مصدرية، أي: على تقصيري وتفريطي { في جَنبِ اللهِ } أي: جانبه وحقه وطاعته، أو: في ذاته، أي: معرفة ذاته، أو في قربه، من قوله:وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ } [النساء: 36]، أو: في سبيل الله ودينه، والعرب تسمي السبب الموصل إلى الشيء جنباً، تقول: تجرّعت في جنبك غُصَصاً، أي: لأجلك، أو: في الجانب الذي يؤدي إلى رضوانه، وهو توحيده والإقرار بنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وقرىء " في ذكر الله ". { وإِن كُنتُ لمن الساخرين } أي: المستهزئين بدين الله. قال قتادة: لم يكفهِ أن ضيّع طاعة الله حتى سخر بأهلها. و " إن ": مخففة، والجملة: حالية، أي: فرطت وأنا ساخر. { أَوْ تقولَ لو أنَّ الله هداني }: أعطاني الهداية، { لكنتُ من المتقين }: من الذين يتقون الشرك. قال الإمام أبو منصور: هذا الكافر أعرفُ بهداية الله من المعتزلة. وكذلك أولئك الكفرة، الذين قالوا لأتباعهم:لَّوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } [إبراهيم: 21] يقولون: لو وفقنا الله للهداية، وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكن عَلِمَ منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا. والمعتزلة يقولون: بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا. انظر النسفي. { أو تقولَ حين ترى العذابَ لو أن لي كرةً } أي: رجعة للدنيا، { فأكونَ من المحسنين }: الموحِّدين الطائعين. و " أو " للدلالة على أنها لا تخلو من هذه الأقوال، تحيُّراً وتحسُّراً، وتعليلاً بما لا طائل تحته. فردَّ الله عليهم بقوله: { بلى قد جاءتك آياتي فكذَّبتَ بها واستكبرتَ وكنتَ من الكافرين } أي: قد جاءتك آياتي، وبيّنت لك الهدايةَ من الغواية، وسبيلَ الحق من الباطل، فتركت ذلك، وضيعت، واستكبرت عن قبوله، وآثرت الضلالة على الهدى، واشتغلت بضد ما أمرت به، وإنما جاء التضييع من قِبلك، فلا عذر لك.

السابقالتالي
2