الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { فإِذا مَسَّ الإِنسانَ } أي: جنسه { ضُرٌّ }: فقر أو غيره { دعانا } معرضاً عما سوانا. والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، من ذكر حالتي أهل الشرك القبيحتين، وما بينهما اعتراض مؤكد للإنكار عليهم، أي: إنهم يشمئزون عن ذكر الله وحده، ويستبشرون بذكر الآلهة، فإذا مسّهم الضر دعوا مَن اشمأزوا عن ذكره، دون مَن استبشروا بذكره، فناقضوا فعلهم. فإن قلت: حق الاعتراض أن يؤكّد المعترَض بينه وبينه؟ قلت: ما في الاعتراض من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه، بأمر من الله، وقوله: { أنت تحكم بين عبادك } ، ثم ما عقّبه من الوعد العظيم، تأكيد لإنكار اشمئزازهم، واستبشارهم، ورجوعهم إلى الله في الشدائد، دون آلهتهم، كأنه قيل: قل: يا ربّ لا يحكم بيني وبين هؤلاء، الذين يجترئون عليك مثل هذه الجراءة، إلا أنت، ثم هددهم بقوله: ولو أن لهؤلاء الظلمة ما في الأرض جميعاً لافتدوا به. انظر النسفي. { ثم إِذا خوَّلناه نعمةً منا }: أعطيناه إياها، تفضُّلاً فإن التخويل مختص به، لا يطلق على ما أعطى جزاء، فإذا أعطيناه ذلك { قال إِنما أُوتيته } أي: ذلك التخويل أو الإنعام { على عِلْم } مني بوجوه كسبه، كما قال قارون:إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى } [القصص: 78] أو: على علم مني بأني سأُعطاه، لِما فيّ من فضل واستحقاق، أو: على علم من الله تعالى باستحقاقي لذلك المال، فتذكير الضمير إما لعوده على التخويل المأخوذ من { خولناه } ، أو: بتأويل النعمة بمعنى الإنعام، أو: المراد بشيء من النعمة، أو: يعود على " ما " إذا قلنا: موصولة، لا كافة، أي: إن الذي أوتيته على علم مني. قال تعالى: { بل هي فتنةٌ } أي: ليس ما خوَّلناه نعمة بل هي محنة وابتلاء له ليظهر كفره أو شكره. ولما كان الخبر مؤنثاً ساغ تأنيث المبتدأ لأجله، وقرىء: " بل هو فتنة ". { ولكنَّ أكْثَرَهُم لا يعلمون } أنَّ الأمر كذلك، وأنَّ التخويل إنما كان فتنة، وفيه دلالة على أن المراد بالإنسان الجنس. { قد قالها الذين مِن قبلهم } أي: قد قال هذه المقالة، وهي: { إنما أوتيته على علم } من قبلهم، كقارون وقومه، قال قارون:إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي } [القصص:78] وقومه راضون بمقالته، فكأنهم قالوها معه. ويجوز أن يكون في الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها. { فما أَغنى عنهم ما كانوا يكسبون } من متاع الدنيا، وما جمعوا منها شيئاً حتى ينزل بهم العذاب، { فأصابهم سيئاتُ ما كَسَبُوا } أي: جزاء سيئات ما كسبوا، وهو العذاب في الدنيا والآخرة، أو: سمّي جزاء السيئة سيئة للازدواج، كقوله:وَجَزآؤُاْ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى: 40] أي: فأصابهم وبال ما كسبوا، { والذين ظلموا من هؤلاء }: المشركين، يعني قريشاً، { سيُصِيبهُم سيئاتُ ما كسبوا } من الكفر والمعاصي، كما أصاب أولئك.

السابقالتالي
2