الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

يقول الحق جلّ جلاله: { واذكر عبدنَا أيوبَ } ، وهو ابن عيصو بن إسحاق عليه السلام، أي: من ذريته لأنه بعد يوسف، وامرأته: رحمة بنت إفراثيم بن يوسف. { إِذ نادى ربَّه } ، وهو بدل اشتمال من " عبدنا ". و " أيوب ": عطف له، { أَنِّي } أي: بأني { مسني الشيطان بنُصْبٍ } أي: تعب، وفيه قراءات بفتحتين، وبضمتين، وبضم وسكون، وبنصب وسكون. { وعذابٍ } أي: ألم، يريد ما كان يقاسيه من فنون الشدائد، وهو الضر في قوله:مَسَّنِىَ الضُّرُّ } [الأنبياء: 83]، وهو حكاية لكلامه الذي ناداه به، وإلا لقيل: إنه مسّه. وإسناده إلى الشيطان على طريق الأدب في إسناد ما كان فيه كمال إلى الله تعالى، وما كان فيه نقص إلى الشيطان أو غيره، كقول الخليل:وَإِذَا مَرِضْتُ } [الشعراء: 80] ولم يقل: أمرضني. وكقول يوشع عليه السلام:وَمَآ أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ } [الكهف: 63]. وفي الحقيقة: كلٌّ من عند الله. وقيل: أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه، من تعظيم ما نزل به من البلاء، ويغريه على الكراهة والجزع، فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك، بكشف البلاء، أو بدفعه وردّه بالصبر الجميل. ورُوي: أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين، فارتدّ أحدهم، فسأل عنه، فقيل: ألقى إليه الشيطان: أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين، فشكا ذلك إلى ربه. وذكر في سبب بلائه أنه ذبح شاة فأكلها، وجاره جائع، أو: رأى منكراً فسكت عنه، أو: استغاثه مظلوم فلم يغثه، أو: كانت مواشيه في ناحية ملك كافر، فداهنه، فلم يغزه، أو: سؤاله امتحاناً لصبره، أي: هل يصبر أم لا، أو: ابتلاه لرفع درجاته بلا سبب، وهو أولى. { اركُضْ برِجْلِكَ } ، حكاية ما أجيب به أيوب عليه السلام، أي: أرسلنا له جبريل عليه السلام بعد انتهاء مدة مرضه، فقال له: اركض، أي: اضرب برجلك الأرض، وهي أرض موضع بالجابية، فضربها، فنبعت عين، فقيل: { هذا مُغتَسَل باردٌ وشَرابٌ } أي: هذا ما تغتسل منه، وتشرب منه، فيبرأ ظاهرك وباطنك، وقيل: نبعت له عينان حارة للاغتسال، وباردة للشرب، فاغتسل من إحداهما، فبرىء ما في ظاهره، وشرب من الأخرى، فبرىء ما في باطنه، بإذن الله تعالى. ومدة مرضه قيل: ثمان عشرة سنة، وقيل: أربعين، وقيل: سبع سنين، وسبعة أشهر، وسبعة أيام، وسبع ساعات. { ووهبنا له أهلَه ومثلَهم معهم } ، قيل: أحياهم الله بأعيانهم، وزاد مثلهم، وقيل: جمعهم بعد تفرُّقهم، وقيل: أعطاه أمثالهم وزاده ضِعفهم. قال القشيري: وكان له سبع بنات. وثلاثة بنين، في مكتب واحد، فحرّك الشيطانُ الأسطوانةَ، فانهدم البيت عليهم. هـ. ولم يذكر كم كان له من الزوجات، فقد سلمت منهن " رحمة " ، وهلك الباقي. أعطيناه ذلك { رحمةً منا } أي: رحمة عظيمة علية من قِبلنا.

السابقالتالي
2