الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وهل أتاك نبأ الخصم } استفهام، معناه التعجُّب والتشويق إلى استماع ما في حيزه لأنه من الأنباء البديعة، والأخبار العجيبة. والخصم ـ في الأصل: مصدر، ولذلك يطلق على الواحد والجمع، كالضيف والزوْر. وأريد هنا اثنان، وإنما جمع الضمير بناء على أن أقل الجمع اثنان. { إذ تسوَّروا المحراب } أي: تصعّدوا سوره ونزلوا إليه. والسور: الحائط المرتفع، ونظيره: تسنمه: إذا علا سنمه. والمحراب: الغرفة، أو: المسجد، سمي محراباً لتحارب الشيطان فيه والخواطر الردية. و " إذ ": متعلق بمحذوف، أي: نبأ تحاكم الخصمين، أو بالخصم لِمَا فيه من معنى الخصومة، { إِذ دخلوا على داودَ }: بدل مما قبله، أو: ظرف لتَسوروا، { فَفَزِعَ منهم }: تروَّع منهم. رُويَ أن الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين، قيل: جبريل وميكائيل، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في عبادته، فمنعهما الحرس، فتسوّروا عليه المحراب، فلم يشعر إلا وهما بين يديه، جالسان، ففزع منهم لأنهم دخلوا عليه في غير يوم القضاء، ولأنهم نزلوا من فوق، وفي يوم الاحتجاب، والحرس حوله لا يتركون مَن يدخل عليه. قال الحسن: جزأ داود عليه السلام الدهر أربعة أجزاء يوماً لنسائه، ويوماً للعبادة، ويوماً للقضاء، ويوماً للمذاكرة مع بني إسرائيل. فدخلوا عليه يوم عبادته. فلما فزع { قالوا لا تخفْ } ، نحن { خصمانِ بَغَى بعْضُنا على بعض } أي: ظلم وتطاول عليه، { فاحكمْ بيننا بالحق ولا تشْطِطْ } لا تَجُرْ، من: الشطط، وهو مجاوزةُ الحدّ وتخطي الحق، { واهدنا إِلى سواء الصراط } وأرشدنا إلى وسط الطريق ومحجته، والمراد: عين الحق وصريحه. رُوي: أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسألُ بعضهم بعضاً أن ينزل له عن امرأته، فيتزوجها إذا أعجبته، وكان لهم عادة في المواساة بذلك. وكان في أول الإسلام شيء من ذلك بين المهاجرين والأنصار، فاتفق أنَّ عَيْنَ داودَ عليه السلام وقعت على امرأة أورِيا، وكانت جميلة، فأحبّها، فسأله النزولَ له عنها، فاستحيا أن يردّه، ففعل، فتزوجها، وهي أم سليمان فعُوتب في ذلك، وقيل له: إنك مع عظيم منزلتك، وكثرة نسائك، لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلاً ليس له إلا امرأة واحدة، كان الواجب عليك مغالبةُ هواك، وقهر نفسك، واصبر على ما امتحِنْتَ به. وقيل: خطبها أوريا، وخطبها داود، فآثره أهلها، فكانت زلته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه. هـ. ولعلم لم يكن محرماً في شرعهم، وإنما كان خلاف الأَولى. وقال شيخ شيوخنا في حاشيته: لا يصح هذا في حق الأنبياء، وما يُحكى أنه بعث أوريا إلى الغزو مرة بعد مرة، وأحبّ أن يُقتل ليتزوجها، فلا يليق من المتسمين بالصلاح من أبناء الناس، فضلاً عن بعض أعلام الأنبياء.

السابقالتالي
2 3 4