الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وقالوا } أي: كفار مكة لَمَّا سمعوا بتأخير عقابهم إلى الآخرة: { ربنا عَجِّل لنا قِطَّنَا } أي: حظّنا من العذاب الذي وعدتنا به، { قبل يوم الحساب } ولا تؤخره إلى الصيحة المذكورة. وفي القاموس: القِط ـ بالكسر ـ النصيب، والصَّك، وكتاب المحاسبة. هـ. أو: عَجِّل لنا صحيفة أعمالنا لننظر فيها، أو: حظنا من الجنة لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر وعد الله المؤمنين بالجنة، فقالوا على سبيل الهزء: عَجِّل لنا نصيبنا منها. وتصدير دعائهم بالنداء للإمعان في الاستهزاء، كأنهم يدعون ذلك بكمال الرغبة. { اصْبِرْ على ما يقولون } من أمثال هذه المقالات الباطلة. ثم سلاّه بما يقص عليه من خبر الأنبياء ـ عليهم السلام ـ الذين كانت بدايتهم أيام المحن، ثم جاءتهم أيام المنن، وبدأ بنبيه داود عليه السلام، فقال: { واذكر عبدَنا داودَ } ، فإنه كان في أول أمره ضعيفاً، يرعى الغنم، ثم صار نبيّاً مَلِكاً، ذا الأيادي العظام. وقوله: { ذَا الأيدِ } أي: ذا القوة في الدين، والملكَ، والنبوة. يقال: فلان ذو يد وأيد وأياد، بمعنى القوة، وأياد كل شيء: ما يتقوّى به. { إِنه أوَّابٌ }: رجّاع إلى الله في كل شيء، أو: إلى مرضاة الله تعالى. وهو تعليلٌ لكونه ذا الأيد، ودليل على القوة في الدين فإنه كان عليه السلام يصوم يوماً ويُفطر يوماً، وهو أشدُّ الصوم، ويقومُ نصفَ الليل، مع مكابدة سياسة النبوة والمُلك والشهود، فقد أعطى القوة في الجهتين. { إِنا سخَّرنا الجبالَ معه } أي: ذللناها له، تسير معه حيث يريد. ولم يقل " له " لأن تسخير الجبال له عليه السلام لم يكن بطريق التفويض الكلي، كتسخير الرياح وغيرها لابنه، بل بطريق التبعية، والاقتداء به في عبادة الله تعالى. وقيل: { معه } متعلق بـ { يُسَبّحْن } ، أي: سخرناها تُسبِّح معه، إما بلسان المقال، يخلق الله لها صوتاً، أو: بلسان الحال، أي: يقدس الله تعالى ويُنزهه عما لا يليق به. والجملة: حال، أي: مسبِّحات، واختيار الفعل ليدل على حدوث التسبيح من الجبال، وتجدُّده شيئاً بعد شيء، وحالاً بعد حال، { بالعَشِيّ } في طرفي النهار، والعشيّ: وقت العصر إلى الليل { والإِشراقِ } ، وهو حين تُشرق الشمس، أي: تضيء، وهو وقت الضحى، وأما شروقها ـ الثلاثي فطلوعها، تقول: شرقت الشمس ولمّا تُشرق، أي: طلعت ولم تضىء. وعن ابن عباس رضي الله عنه: ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية. وعنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه صلّى عند أم هانىء صلاة الضحى، وقال: " هذه صلاة الإشراق ". { والطيرَ محشورةً } أي: وسخّرنا الطير مجموعة من كل ناحية. عن ابن عباس رضي الله عنه: كان إذا سبّح، جاوبته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إليه الطير، فسبَّحت، فذلك حشرها.

السابقالتالي
2