الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ولقد نادانا } أي: دعانا { نوحٌ } حين أيس من قومه بقوله:أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ } [القمر: 10] أو: دعانا لِنُنجيه من الغرق، { فَلَنِعْمَ المجيبون } أي: فأجبناه أحسن الإجابة، ونصرناه على أعدائه، وانتقمنا منهم بأبلغ ما يكون، فوالله لَنِعْمَ المجيبون نحنُ، فحذف القسم لدلالة اللام عليه. وحذف المخصوص، والجمع دليل العظمة والكبرياء. { ونجيناه وأهلَه } ومَن آمن به وأولاده المؤمنين { من الكَرْبِ العظيم } وهو غمّ الغرق، أو: إذاية قومه، { وجعلنا ذريتَه هم الباقين } وقد فني غيرهم. قال قتادة: الناسُ كلهم من ذرية نوح، وكان لنوح عليه السلام ثلاثة أولاد: سام ـ وهو أبو العرب وفارس والروم ـ وحام ـ وهو أبو السودان، من المشرق إلى المغرب ـ ويافث ـ وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج ـ وقد نظمه بعضهم، فقال:
العرب والروم وفارس اعلمن أولاد سام فيهم الخير كَمَن من نسل حام نشا السودان شرقاً وغرباً، ذا له برهان يأجوج مأجوج من الصقالبة ليافث، لا خير فيهم قاطبه   
{ وتركنا عليه في الآخِرِين } أي: وأبقينا عليه الثناء الحسن في الأمم الآخِرِين، الذين يأتون بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة، { سلامٌ على نوح }: مبتدأ وخبر، استئناف، { في العالمين } يعني: أنهم يُسلمون عليه تسليماً، ويدعون له، أي: ثبتت هذه التحية فيهم، ولا يخلو أحد منهم منها، كأنَّ الله أثبت التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين، يسلّمون عليه عن آخرهم. { إِنا كذلك نجزي المحسنين } فنُكرمهم ونُحييهم، وهو تعليل لما فعل بنوح من التكرمة السنية، بأنه مجازاة له على إحسانه، { إِنه من عبادنا المؤمنين } علّل كونه محسناً بأنه كان عبداً مؤمناً ليريك جلاله محلّ الإيمان. { ثم أغرقنا الآخَرِين } أي: الكافرين. ذكر في كتاب حياة الحيوان، عن القشيري: أن العقرب والحية أتيا نوحاً عليه السلام فقالتا: احملنا معك، ونحن نعاهدك ألا نضر أحداً ذكرك، فحملهما. فمَن قرأ، حين يخاف مضرتهما، حين يمسي وحين يصبح: سلام على نوح في العالمين، ومحمد في المرسلين، إنا كذلك نجزي المحسنين، إنه من عبادنا المؤمنين، ما ضرتاه. هـ. وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: " مَن قال حين يُمسي وحين يُصبح: أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خَلَقَ، لم يضره شيء ". الإشارة: إذا تحقق الإيمان والإحسان في عبد أُعطي ثلاث خصال: نفوذ الدعوة، والثناء الحسن بعده، والبركة في الذرية، كل ذلك مقتبس من قضية نوح عليه السلام. ثم ذكر خليله إبراهيم عليه السلام فقال: { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ... }