الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } * { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } * { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } * { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { أَذَلِكَ خيرٌ نُّزلاً أم شجرةُ الزقوم } أي: أنعيم الجنة وما فيها من اللذات، والطعام، والشراب، خيرٌ نُزُلاً أم شجرة الزقوم؟ النُزل: ما يُقَدم للنازل من الرزق. و " نزلاً ": تمييز، وفي ذكره: تنبيه على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يُقدم للنازل، ولهم من وراء ذلك ما تقصر عنه الأفهام، وكذلك الزقوم لأهل النار. قال ابن عطية: في البلاد الجدبة المجاورة للصحارى شجرةٌ، مُرَّة، مسمومة، لها لبنٌ، إن مسَّ جسم أحد تورَّم ومات منه، في غالب الأمر، تُسَمَّى شجرة الزقوم. والتزقُّم: البلعُ على شدة وجهد. هـ. وفي الحديث: " لو أن قطرةً من الزقوم قُطرَتْ في بحار الدنيا لأفسدتْ على أهل الأرض معايشهم. فكيف بمَن يكون الزقومُ طعامُه " وقال ابن عرفة: هذه الشجرة يحتمل أن تكون واحدة بالنوع، فيكون كل جهة من جهات جهنم فيها شجرة، أو: تكون واحدة بالشخص. هـ. { إِنا جعلناها فتنةً للظالمين } محنةً وعذاباً لهم في الآخرة، وابتلاء لهم في الدنيا. وذلك أنهم قالوا: كيف تكون في النار شجرة، والنار تحرق الشجر؟ ولم يعلموا أنَّ مَنْ قدر على خلق حيوان يعيش في النار ويتلذّذ بها ـ وهو السمندل ـ كيف لا يقدر على خلق شجر في النار، وحفظه من الإحراق؟ { إِنها شجرةٌ تخرجُ في أصل الجحيمِ } ، قيل: منبتها في قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها، وهذا يؤيد أنها واحدة بالشخص. { طَلْعُها } أي: حملها { كأنه رؤوس الشياطين } الطلع للنخلة، فاستعير لما يطلع من شجرة الزقوم من حملها، وشُبِّه برؤوس الشياطين للدلالة على تناهيه في الكراهة، وقُبح المنظر لأن الشيطان مكروه مستقبَح في طباع الناس لاعتقادهم أنه شرّ محض. وقيل: الشياطين: حيَّات هائلة، قبيحة المنظر، لها أعراف يقال لها شياطين. وقيل: شبه بما استقر في النفوس من كراهة رؤوس الشياطين وقُبحها، وإن كانت لا ترى، كما شبهوا سنان الرماح بأنياب أغوال، كما قال امرؤ القيس:
أَيَقتُلُني والمشْرَفيُّ مُضَاجِعي ومَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كأنيابِ أغْوَالِ   
{ فإِنهم لآكلونَ منها } أي: من طلع تلك الشجرة، { فمالِئُون منها البطونَ } مما يبلغهم من الجوع الشديد، فيملؤون بطونهم منها مع تناهي بشاعتها، { ثم إِنَّ لهم عليها } على أكلها، أي: بعدما شَبِعوا منها، وغلبهم العطش، وطال استقاؤهم، { لَشَوْباً من حميم } أي: لشراباً من غساق، أو: حديد، مشوباً بماء حار، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم، في مقابلة ما قال في شراب أهل الجنة:وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } [المطففين: 27] وأتى بـ " ثم " لما في شرابهم من مزيد البشاعة والكراهة فإِنَّ الزقوم حار محرق، وشرابهم أشد حرًّا وإحراقاً. { ثم إِن مرجِعَهُم لإِلى الجحيم } أي: إنهم يُخرجون من مقارهم في الجحيم ـ وهو الدركات التي أُسْكِنُوها ـ إلى شجرةَ الزقوم، فيأكلون منها إلى أن يتملَّوا.

السابقالتالي
2