الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { قال قائِلٌ منهم } أي: من أهل الجنة { إِني كان لي قَرِينٌ } في الدنيا، قيل: كان شيطاناً، وقيل: من الإنس، ففيه التحفُّظ من قرناء السوء، وقيل: كانا شريكين بثمانية آلاف دينار، أحدهما: قطروس، وهو الكافر، والآخر: يهوذا، المؤمن، فكان أحدهما مشغولاً بعبادة الله، وكان الآخر مُقبلاً على ماله، فحلَّ الشركة مع المؤمن، وبقي وحده لتقصير المؤمن في التجارة، وجعل الكافر كلما اشترى شيئاً من دار، أو جارية، أو بستان، عرضه على المؤمن، وفخر عليه، فيمضي المؤمن، ويتصدّق بنحو ذلك، ليشتري به من الله تعالى في الجنة. فكان من أمرهما في الجنة ما قصّه اللهُ تعالى في هذه الآية. قال السهيلي: هما المذكوران في سورة الكهف بقوله:وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ... } [الكهف: 32] إلخ. { يقول } أي: قرين السوء، لقرينه المؤمن في الدنيا: { أَئِنَّك لمِنَ المُصدِّقين } بالبعث؟ { أَئِذَا مِتْنا وكنا تراباً وعظاماً أَئِنا لمدينون } لمحاسبون ومجزيون بأعمالنا؟ من: الدين، وهو الجزاء. { قال } ذلك القائل لمَن معه في الجنة: { هل أنتم مُطَّلِعُون } معي إلى النار، لأريكم حال ذلك القرين. قيل: إن في الجنة كُوىً ينظر أهلُها منها إلى أهل النار. قلت: حال الجنة كله خوارق، فيُكشف لهم عن حال أهل النار كيف شاء. وقيل: القائل: هو الله، أو: بعض الملائكة. يقول لهم: هل تُحبون أن تطلعوا على أهل النار، لأريكم ذلك القرين، أو: لتعلموا منزلتكم من منزلتهم. قال الكواشي: أو: إن المؤمن يقول لإخوانه من أهل الجنة: هل أنتم ناظرون أخي في النار؟ فيقولون له: أنت أعرف به منا، فانظر إليه. { فاطَّلَع } على أهل النار { فرآه } أي: قرينه { في سواءِ الجحيم } في وسطها. { قال تالله إِنْ كِدتَّ لتُردِينِ } لتُهلكني بإغوائك. و " إن " مخففة، واللام: فارقة، أي: إنه قربت لتهلكني، { ولولا نعمةُ ربي } عليَّ بالهداية، والعصمة، والتوفيق للتمسُّك بعروة الإسلام، { لكنتُ من المحْضَرين } معك، أو: من الذين أُحضروا العذاب، كما أُحْضِرْتَه أنت وأمثالك. { أفما نحن بميتين إِلا مَوْتتنا الأولى وما نحن بمعذَّبين } الفاء للعطف على محذوف، أي: أنحن مخلّدون فما نحن بميتين ولا معذّبين. وعلى هذا يكون الخطاب لرفقائه في الجنة، لما رأى ما نزل بقرينه، ونظر إلى حاله وحال رفقائه في الجنة، تحدُّثاً بنعمة الله. أو: قاله بمرأى من قرينه ومسمع ليكون توبيخاً له، وزيادة تعذيب، ويحتمل أن يكون الخطاب لقرينه، كأنه يقول: أين الّذي كنت تقول في الدنيا من أنَّا نموت، وليس بعد الموت عقاب ولا عذاب؟ كقوله:إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى } [الدخان: 35] والتقدير: أكما كنت تزعم هو ما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى، وما نحن بمعذَّبين، بل الأمر وقع خلافَه، وكان يقال له: نحن نموت ونُسأل في القبر، ثم نموت ونحيا، فيقول: ما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذَّبين.

السابقالتالي
2