الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } * { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } * { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } * { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } * { وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { فَاسْتَفْتِهِمْ } أي: فاستخبر كفّار مكّة { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أي: أقوى خلقاً وأعظم، أو: أصعب خلقاً وأشقه. { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } يعني ما ذكر من السماء والأرض وما بينهما، وما يعمرهما من الملائكة والكواكب، والشُهب الثواقب؟ وجيء بـ " مَنْ " تغليباً للعقلاء. ويدلّ عليه قراءة مَن قرأ: أم من عددنا بالتشديد والتخفيف. والقصد: الرد على منكري البعث، فإنَّ مَن قدرَ على خلق هذه العوالم، على عظمها، كان على بعثهم أقدر. ثم ذكر ضعف أصلهم بقوله: { إِنا خلقناهم من طين لازب } لاصق باليد، أو: لازم. وقرىء به، أي: يلزم مَن جاوره ويلصق به. وهذا شاهد عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة. أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خُلقوا منه إنما هو تراب، فمن أين استنكروا أن نخلق من تراب مثله خلقاً آخر؟ حيث قالوا:أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً } [الرعد: 5]، الخ، وهذا المعنى يعضده ما يتلوه بعدُ من ذكر إنكارهم البعث. { بل عَجِبْتَ } من تكذيبهم إيَّاك، وإنكارهم البعث، { ويَسْخَرون } هم منك، ومن تعجُّبك، أو: مِن أمر البعث، قال الكواشي: ولَمَّا لم تؤثِّر فيهم البراهين، أَمَرَ نبيَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالإضراب عنهم، والإعجاب منهم، حيث لم يؤمنوا به وبالبعث، والمعنى: إنك تعجبت من تكذيبهم، وهم يسخرون منك ومن تعجُّبك. هـ. قال قتادة: لَمَّا نزل القرآنُ عجب منه النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقد أنه لا يسمعه أحد إلا آمن به، فلما سَمِعَه المشركون، ولم يؤمنوا، وسخروا، تعجَّب من ذلك. هـ. وذكر ابن عطية وغيره: أن الآية نزلت في رُكانة، الذي صرعه صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن عبد البر: أنه أسلم يوم الفتح. هـ. وقرأ الأخوان " عجبتُ " بضم التاء، أي: استعظمت. والعجَبُ: روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء لخفاء سببه، وهو في حقه تعالى مُحال، ومعناه: التعجُّب لغيره، أي: كل مَن يرى حالهم يقول: عجبت، ونحوه: قوله صلى الله عليه وسلم: " عجب الله من شاب ليست له صبوة " وهو عبارة عما يُظهره الله في جانب المتعجب منه، من التعظيم أو التحقير، أو: قل يا محمد: عجبتُ ويسخرون. { وإِذا ذُكِّروا لا يذْكُرون } أي: ودأبهم أنهم إذا وُعظوا بشيء لا يتعظون به. { وإِذا رَأَوْا آيةً } معجزة، كانشقاق القمر، ونحوه، { يَسْتَسْخِرُونَ } يُبالغون في السخرية، ويقولون: إنه سحر، ويستدعي بعضهم بعضاً أن يسخر منها، { وقالوا إِن هذا } ما هذا { إِلا سحر مبينٌ } ظاهر سحريته، { أَإِذَا مِتنا وكنا تُراباً وعظاماً أئِنا لمبعُوثُون } أي: أَنُبعث إذا كنا تُراباً وعظاماً؟ { أوَ آبَاؤُنا الأولون } فمن فتح الواو عطف على محلّ " إِنّ " واسمها، والهمزة للإنكار، أي: أَوَيُبعث أيضاً آباؤنا الأولون الأقدمون، على زيادة الاستبعاد، يعنون أنهم أقدم، فبعثهم أبْعد وأبطل.

السابقالتالي
2