الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } * { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } * { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } * { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } * { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قلت: " معه ": يتعلق بمحذوف، أي: بلغ السعي يسعى معه، ولا يتعلق ببلغ لأنه يقتضي الاشتراك في البلوغ، ولا بالسعي لأن المصدر لا يتقدم عليهم عموله، إلا أن يُقال: يتسع في الظروف ما لا يتسع في غيرها. يقول الحق جلّ جلاله: { وقال } إبراهيمُ: { إِني ذاهبٌ إِلى ربي } إلى موضع أمرني ربي بالذهاب إليه، وهو الشام، أو: إلى مرضاة ربي، بامتثال أمره بالهجرة أو: إلى المكان الذي أتجرّد فيه إلى عبادة ربي، { سَيَهدين } أي: سيرشدني إلى ما فيه صلاح ديني، أو: إلى مقصدي، وإنما بتَّ القول لسبق وعده لأن الله وعده بالهداية، أو: لفرط توكله، أو: للبناء على عادته معه. ولم يكن كذلك حال موسى عليه السلام حيث عبَّر بما يقتضي الرجاء. ثم قال: { ربِّ هَبْ لي من الصالحين } بعض الصالحين، يُعينني على الدعوة والطاعة، ويُونسي في الغربة. يريد الولد لأن لفظ الهبة غلب على الولد. { فبشَّرناه بغلامٍ حليم } انطوت البشارة على ثلاث: على أنّ الولد ذكر، وأنه يبلغ أوانَ الحُلم لأن الصبيَّ لا يُوصف بالحلم، وأنه يكون حليماً، وأيّ حليم أعظم من حلمه، حيث عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق، فقال:سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } [الصافات: 102]، ثم استسلم. وقيل: ما نعت الله نبيًّا بالحلم إلا إبراهيم وابنَه لمَعَزَّةِ وجوده. { فلما بلغ معه السعيَ } أي: فلما وُجدَ وبلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه، أي: الحدّ الذي يقدر على السعي مع ابنه، وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة. وقيل: سبع سنين. { قال يا بُني إِني أرى في المنام أَنِّي أَذْبَحُك } أي: قيل له في المنام: اذبح ابنك. ورؤيا الأنبياء وحي، كاليقظة. قال الكواشي: لم يرَ أنه يذبحه في النوم، ولكنه أُمر في النوم بذبحه، بدليل قوله: { افعل ما تؤمر }. وقيل: رأى أنه يُعالج ذبحه، ولم يرَ إراقة الدم. وقال قتادة: رؤيا الأنبياء حق، إذا رأوا شيئاً فعلوه. وفي رؤيا ذلك في النوم وتحققه إياه حتى عمل بما رأى، إيذان بأن الأنبياء قد تجوهرت نفوسهم، فلا مجال للكذب فيما يُوحى إليهم، وفيما يصدر عنهم، فهم صادقون مصدِّقون، فليس للشيطان عليهم سبيل، وإيذان بأن مَن كان في منامه صادقاً كان يقظته أولى بالصدق. هـ. وإنما لم يقل: " رأيت " لأنه رأى مرة بعد أخرى، فقد قيل: رأى ليلة التروية كأنّ قائلاً يقول له: إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا، فلما أصبح روَّى في ذلك من الصباح إلى الرواح ليعلم أَمِنَ اللهِ هذا الحلم، أم لا، فسُمِّي يوم التروية، فلما أمسى رأى مثل ذلك، فعرف أنه من الله، فسُمِّي يوم عرفة، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة، فهمَّ بنحره، فسُمِّي يوم النحر.

السابقالتالي
2 3 4 5