الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }

قلت: { كم أهلكنا } معلّقة ليَرَوُا عن المفعولين. و { أنهم }: بدل من { كم } ، والتقدير: ألم يَرَوا كثرة إهلاكنا قبلهم من القرون كونهم غير راجعين إليهم. و { وإِن كُلٌّ لمَّا جميع }: من قرأ " لما " بالتخفيف، فإن: مخففة، واللام: فارقة، و " ما " مزيدة، أي: وإنه، أي: الأمر والشأن لَجميعٌ محضرون عندنا. ومَن قرأها بالتشديد فإِنْ: نافية، و " لَمَّا ": بمعنى إلا، أي: ما كُلهم إلا مجموعون ومُحضرون للحساب. يقول الحق جلّ جلاله: { يا حسرةً على العبادِ } تعالى، فهذا أوان حضورك. ثم بيّن لأي شيء كانت الحسرة عليهم، فقال: { ما يأتيهم من رسولٍ } من عند الله { إِلا كانوا به يستهزئون } فإن المستهزئين بالناصحين المخلصين، المنوط بنصحهم خير الدارين، أحقّاء بأن يتحسَّروا، ويتحسَّر عليهم المتحسِّرون، ويتلهَّف المتلهِّفون. أو: هم مُتَحَسّر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين. { أَلم يَرَوا كم أهلكنا قَبْلَهم من القُرونِ } أي: ألم يعلموا كثرة إهلاكنا قبلهم من القرون الماضية، { أَنهم إِليهم لا يَرجِعُونَ } أي: كونهم غير راجعين إليهم أبداً حتى يلحقوا بهم، ففيهم عبرة وموعظة لمَن يتعظ. { وإِن كلٌّ لما جميعٌ لدينا مُحْضَرُون } أي: وإن كلهم مجموعون محضرون للحساب، أو معذَّبون. وإنما أخبر عن " كل " بجميع لأن " كل " تفيد معنى الإحاطة. والجميع: فعيل، بمعنى مفعول، ومعناه: الاجتماع، والمعنى: أن المحشر يجمعهم، فكلهم مجموعون مُحضرون للحساب. الإشارة: يا حسرةً على العباد، ما يأتيهم من داع يدعو إلى الله، على طريق التربية الكاملة، إلا كانوا به يستهزئون. ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون، ماتوا على الغفلة والحجاب، وكلهم محضرون للعتاب والحساب، ماتوا محجوبين، ويبعثون محجوبين لإنكارهم في الدنيا مَن يرفع عنهم الحجاب، ويفتح لهم الباب، وهم شيوخ التربية، الموجودون في كل زمان. أو: يا حسرةً على المتوجهين، ما يأتيهم من وارد على قلوبهم إلا كانوا به يستهزئون، ولو فهموا عن الله لعملوا بما يرد على قلوبهم الصافية. ثم ذكر دلائل قدرته على البعث والإحضار فقال: { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ... }