الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِنَّا نحنُ نحيي الموتَى } أي: نبعثهم بعد مماتهم، أو: نُخرجهم من الشرك إلى الإيمان. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي: لَمَّا أمر بالتبشير بالمغفرة، والأجر الكريم، لمَن انتفع بالإنذار، أعلم بحكم مَن لم يؤمن، ولم ينتفع بالإنذار، وأنه يبعثهم، وإليه حكمهم، كما قال:إِنَّمَا يَستَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ } [الأنعام: 36] هـ. { ونكتُبُ ما قدّموا } ما أسلفوا من الأعمال الصالحات وغيرها، { وآثارَهُمْ } ما تركوه، بعدهم من آثار حسنة، كعِلْم علَّموه، أو كتاب صنَّفوه، أو حبس حبسوه، أو رباط أو مسجد صنعوه. أو آثار سيئة، كبدعة ابتدعوها في الإسلام. ونحوه قوله تعالى:يُنَبَّؤُاْ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [القيامة: 13] أي: قدّم من عمله وأخّر من آثاره. وفي الحديث: " مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً، فعمل بها من بعده، كان له أجرُها ومثل أجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن يَنْقُص من أجورِهِمْ شيءٌ. ومَن سَنَّ في الإسلام سُنَّة سيئةً فعليه وزرها، ووزرُ مَن عمل بها، من غير أن يَنْقُص من أوزارهم شيءٌ " وفي خبر آخر: " سبع تجري على العبد بعد موته: مَن غرس غرساً، أو حفر بئراً، أو أجرى نهراً، أو علَّمَ علماً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ولداً صالحاً " انظر المنذري. وهذا كله داخل في قوله تعالى: { وآثارهم } قيل: آثارهم: خطاهم إلى المساجد، للجمعة وغيرها. { وكل شيءٍ أحصيناه } حفظناه، أو عددناه وبيَّنَّاه { في إِمامٍ } كتاب { مبينٍ } اللوح المحفوظ لأنه أصل الكتب وإمامها، وقيل: صحف الأعمال. والمراد: تهديد العباد بإحصاء ما صنعوه من خير أو شر، لينزجروا عن معاصي الله، وينهضوا إلى طاعة الله. الإشارة: إنّا نحن نُحيي القلوب الميتة بالغفلة والجهل، فنحييها بالعلم والمعرفة، ونكتب ما قدّموا من العلوم، والأسرار والمعارف، وآثارهم، أي: الأنوار المتعدية إلى الغير، ممن اقتبس منهم وأخذ عنهم. قال القشيري: نُحيي قلوباً ماتت بالقسوة، بما نُمطر عليها من صنوف الإقبال والزلفة، ونكتب ما قدموا { وآثارهم } خطاهم إلى المساجد، ووقوفهم على بساط المناجاة معنا، وما ترقرقَ من دموعهم على عَرَصات خدودهم، وتَصَاعُدَ أنفاسهم. هـ. ثم ضرب مثلاً لقريش في تكذيبهم، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلَّم، فقال: { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً... }