الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً }

يقول الحق جلَ جلاله: { ولو يُؤاخِذُ اللهُ الناسَ بما كسبوا } بما اقترفوا من المعاصي { ما ترك على ظهرها } على ظهر الأرض لأنه جرى ذكرها في قوله:وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِى السَّمَاواتِ وَلاَ فِى الأَرْضِ إِنَّهُ } [فاطر: 44]، { من دابةٍ } من نسمة تدبُّ عليها. قيل: أهل المعاصي فقط من الناس، وقيل: من الجن والإنس. والمشهور: أنه عام في كل ما يدب لأن الكل خُلق للآدمي. وعن ابن مسعود: إِن الجُعل ليُعذب في جحره بذنب ابن آدم، يعني ما يصيبه من القحط، بشؤم معاصيه. وقال أبو هرير: إن الحبارى لتموت هزالاً في وكرها بظلم الظالم. هـ. قال القشيري: لو عَجَّل لهم ما يستوجبونه من الثواب والعقاب، لم تَفِ أعمارُهم القليلةُ، وما اتسعت أفهامُهم القصيرة له، فأخَّرَ ذلك ليوم الحَشْرِ، فإِنَّه طويل، والله على كل شيء قدير، بأمور عباده بصير، وإليه المصير هـ وهذا معنى قوله: { ولكن يُؤخرهم إِلى أجَلٍ مسمىً } هو يوم القيامة، { فإِذا جاء أجَلُهُم } أجل جمعهم، { فإِن الله كان بعباده بصيراً } أي: لن يخفى عليه حقيقة أمرهم، وحكمة حكمهم، فيجازيهم على قدر أعمالهم. الإشارة: تعجيل العقوبة في دار الدنيا للمؤمن إحسان، وتأخيرها لدار الدوام استدراج وخذلان. فكل مَن له عناية سابقة عاتبه الله في الدنيا، بمصيبة في بدنه، أو ماله، أو في أهله، ومَن لا عناية له أُخرت عقوباته كلها لدار الجزاء. نسأل الله العصمة بمنِّه وكرمه، وبسيدنا محمد نبيه صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه.