الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } * { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } * { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً }

قلت: " جهد ": نصب على المصدر، أو على الحال. و " استكبار " و " مكر ": مفعول من أجله أو حال. يقول الحق جلّ جلاله: { وأقسموا بالله جَهْدَ أيمانهم } أي: إقساماً وثيقاً، أو: جاهدين في أيمانهم: { لئن جاءهم نذير } رسول { ليكونن أهدى من إحدى الأمم } المهتدية، بدليل قوله: { أهدى } وقوله في سورة الأنعام:لَكُنَّآ أَهْدَى مِنْهُمْ } [الأنعام: 157] وذلك أن قريشاً قالوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا بلغهم أن أهل الكتاب كذّبوا رسلهم: لعن الله اليهود والنصارى، أتتهم الرسل فكذبوهم، فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم، أي: من الأمة التي يقال فيها: هي أهدى الأمم، تفضيلاً لها على غيرها في الهُدى والاستقامة. كما يقال للداهية العظيمة: هي أهدى الدواهي. فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، { ما زادهم إِلا نُفوراً } أي: ما زادهم مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم إلا تباعداً عن الحق، وهو إسنادٌ مجازيّ إذ لا فاعل غيره. { استكباراً في الأرض ومكرَ السيىء } أي: ما زادهم إلا تهوُّراً للاستكبار ومكر السيىء. أو: مستكبرين وماكرين برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، المكر القبيح، وهو إجماعهم على قتله عليه الصلاة والسلام، وإذاية مَن تبعه. وأصل قوله: { ومكر السيىء }: وأن مكروا المكر السيىء، فحذف الموصوف استغناء بوصفه، ثم أبدل " أن " مع الفعل بالمصدر، ثم أضيف إلى صفته اتساعاً، كصلاة الأولى، ومسجد الجامع. { ولا يحيق المكرُ السيىء إِلا بأهله } أي: لا يحيط وينزل المكر السيىء إلا بمَن مكره، وقد حاق بهم يوم بدر. وفي المثل: مَن حفر حفرة وقع فيها { فهل ينظُرون إِلا سُنَّة الأولين }: ما ينتظرون إلا أن ينزل بهم ما نزل بالمكذبين الأولين، من العذاب المستأصل، كما هي سُنَّة الله فيمن كذّب الرسل. { فلن تجد لسُنة الله تبديلاً، ولن تجد لسُنة الله تحويلاً } بيّن أن سُنَّته ـ التي هي الانتقام من مكذِّبي الرسل ـ سُنَّة ماضية، لا يبدلها في ذاتها، ولا يحوّلها عن وقتها، وأنَّ ذلك مفعول لا محالة. { أَوَلَم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم } ممن كذَبوا رسلهم، كيف أهلكهم الله ودمرهم، كعاد، وثمود، وقرىء قوم لوط. استشهد عليهم بما كانوا يُشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق، من آثار الماضين، وعلامات هلاكهم ودمارهم. { و } قد { كانوا أشدَّ منهم قوةً } واقتداراً، فلم يتمكنوا من الفرار، { وما كان الله ليُعْجِزَه } ليسبقه ويفوته { من شيءٍ } أيَّ شيء كان { في السماوات ولا في الأرض إِنه كان عليماً } بأحوالهم { قديراً } على أخذهم. وبالله التوفيق. الإشارة: ترى بعض الناس يقول: لئن ظهر شيخ التربية لنكونن أول مَن يدخل معه، فلما ظهر، عاند واستكبر، وربما أنكر ومكر.

السابقالتالي
2