الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

قلت: " وازرة ": صفة لمحذوف، أي: نفس آثمة. و " إن تدع ": شرط، و " لا يُحمل ": جواب، و " لا " النافية لا تمنع الجواب من الجزم. يقول الحق جلّ جلاله: { ولا تَزِرُ وازرة وِزْرَ أُخرى } أي: ولا تحمل نفس آثمة إثمَ نَفْسٍ أخرى، والوزر والوِقر أخوان، ووزَر الشيء: حمله. والمعنى: أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته، فلا تؤخذ نفس بذنب نفس أخرى، كما تأخذ جبابرةُ الدنيا الظلمةُ الجارَ بجريمة الجار، والقريبَ بالقريب، فذلك ظلم محض. وأما قوله تعالى:وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [العنكبوت: 13] ففي الضالّين المضلّين، فإنهم يحملون أثقال إضلالهم وأثقال ضلالهم، وكل ذلك أوزارهم، ليس فيها شيء من أوزار غيرهم. ألا ترى كيف كذّبهم الله تعالى في قوله:اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [العنكبوت: 12]. قال ابن عطية: مَن تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة ـ كفعل زياد ونحوه، فإن ذلك، لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة، أو مواصلة، أو اطلاع على حاله، أو تقرير له، فهذا قد أخذ من الجُرم بنصيب. وهذا هو المعنى بقوله تعالى: { وليحملن أثقالهم... } الآية لأنهم أغروهم، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " مَن سنَّ سُنَّة حسنة.. " الحديث، فراجعه. قلت: لا يجوز الإقدام على ظلم أحد بمجرد الظن، فالصواب حسم هذا الباب، والتصريح بتحريمه لكثرة جوز الحُكام. ثم قال تعالى: { وإِن تَدْعُ } نفس { مثقلةً } بالذنب أحداً { إِلى حِمْلِها } أي: إلى حمل ثِقل ذنوبها، ليتحمل عنها بعض ذلك، { لا يُحْمَل منه شيءٌ ولو كان } المدعو، المفهوم من قوله: { وإِن تدع } ، { ذا قُربى } ذا قرابة قريبة، كأب، وولد، وأخ. والفرق بين معنى قوله: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وبين قوله: { إِن تدع مثقلة إلى حِمْلها لا يُحمل منه شيء } أنَّ الأول دالّ على عدل الله في حكمه، وأنه لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها، والثاني: في بيان أنه لا غياث يومئذ لمَن استغاث، فمَن أثقلته ذنوبه ثم استغاث بأحد لم يُغثه، وهذا غاية الإنذار. ثم بيّن مَن ينتفع به بقوله: { إِنما تُنذِرُ الذين يخشون ربهم } أي: إنما ينتفع بإنذارك مَن خشي ربه { بالغيب } أي: يخشون ربهم غائبين عنه، أو: يخشون عذابه غائباً عنهم، فهو حال، إما من الفاعل أو المفعول المحذوف. أو: يخشون ربهم في حال الغيب، حيث لا اطلاع للغير عليهم، فيتقون الله في السر، كما يتقون في العلانية. { وأقاموا الصلاةَ } أتقنوها في مواقيتها، { ومَن تزكَّى } أي: تطهّر بفعل الطاعات، وترك المنهيات، { فإِنما يتزكَّى لنفسه } إذ نفعه يعود لها، وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم، وإقامتهم الصلاة لأنها من جملة التزكي.

السابقالتالي
2