قلت: أتى بالعاطف في قوله: { وقال } الأخيرة، وترَك في الأولى لأن قول الرؤساء جواب لقول المستضعفين، فحسن ترك العاطف، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين، فعطفه على كلامهم الأول. و { مكر الليل }: الإضافة على معنى " في " ، وإضافة المكر إلى الليل على الاتساع، بإجراء الثاني مجرى المفعول به، وإضافة المكر إليه، أو: جعل الليل والنهار ماكرين بهم مجازاً. يقول الحق جلّ جلاله: { وقال الذين كفروا } كأبي جهل وأضرابه: { لن نُؤمن بهذا القرآنِ ولا بالذي بين يديه } أي: ما نزل قبل القرآن، من كُتب الله تعالى، الدالة على البعث. وقيل: إن كفار قريش سألوا أهل الكتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبروهم أنهم يجدون نعته في كتبهم، فغضبوا، وقالوا ذلك. وقيل: { الذين بين يديه }: القيامة والجنة والنار، فكأنهم جحدوا أن يكون القرآنُ من عند الله، وأن يكون ما دلّ عليه من الإعادة للجزاء حقيقة. { ولو ترى } يا محمد، أو مَن تصح منه الرؤية، { إِذِ الظالمون موقوفُون } محبوسون { عند ربهم } في موقف الحسابِ { يَرجِعُ } يردّ { بعضُهم إِلى بعضٍ القولَ } في الجدال والمحاورة. أخبر عن عاقبتهم ومآلهم في الآخرة، فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم، أو للمخاطب: ولو ترى في الآخرة موقفهم، وهم يتجاذبُون أطراف المحاورة، ويتراجعونها بينهم، لرأيت أمراً فظيعاً، فحذف الجواب لأن العبارة لا تفي به. ثم بيّن بعض محاورتهم بقوله: { يقول الذين استُضْعِفوا } أي: الأتباع السفلة { للذين استكبروا } أي: الرؤساء المقدّمين: { لولا أنتم لكنا مؤمنين } لولا دعاؤكم إيّانا إلى الكفر لكنا مؤمنين بالله ورسوله. { قال الذين استكبروا للذين استُضْعِفوا أَنحنُ صَدَدْناكم } رددناكم { عن الهُدى بعد إِذ جاءكم بل كنتم مجرمين } أي: بل أنتم صددتم باختباركم، ولم نقهركم على الكفر. أنكروا أنهم كانوا صادّين لهم عن الإيمان، وأثبتوا أنهم هم الذين صدُّوا أنفسهم، حيث أعرضوا عن الهدى، وآثروا التقليد عليه. وإنما وقعت " إذ " مضافاً إليها، وإن كانت " إذ " و " إذا " من الظروف اللازمة للظرفية لأنه قد اتّسع في الزمان ما لم يتَسع في غيره. { وقال الذين استُضعفوا للذين استكبروا بل مكرُ الليلِ والنهارِ } أي: بل مكركم بنا بالليل والنهار هو الذي صدّنا عن الهدى. أو: مَكَرَ بنا الليل والنهار، وطولُ السلامة، حتى ظننا أنكم على حق فقلدناكم. { إِذ تأمروننا أن نكفرَ بالله ونَجْعَلَ له أنداداً } أشباهاً، نعبدها معه. والحاصل: أن المستكبرين لَمَّا أنكروا أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين، وأثبتوا أن ذلك بسبب اختيارهم، كرّ عليهم المستضعفون بقولهم: { بل مكر الليل والنهار } فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم، كأنهم قالوا: ما كان الإجرامُ من جهتنا، بل من جهة مكركم بنا دائماً، ليلاً ونهاراً، وحملُكم إيّانا على الشرك واتخاذ الأنداد.