الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قلت: أتى بالعاطف في قوله: { وقال } الأخيرة، وترَك في الأولى لأن قول الرؤساء جواب لقول المستضعفين، فحسن ترك العاطف، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين، فعطفه على كلامهم الأول. و { مكر الليل }: الإضافة على معنى " في " ، وإضافة المكر إلى الليل على الاتساع، بإجراء الثاني مجرى المفعول به، وإضافة المكر إليه، أو: جعل الليل والنهار ماكرين بهم مجازاً. يقول الحق جلّ جلاله: { وقال الذين كفروا } كأبي جهل وأضرابه: { لن نُؤمن بهذا القرآنِ ولا بالذي بين يديه } أي: ما نزل قبل القرآن، من كُتب الله تعالى، الدالة على البعث. وقيل: إن كفار قريش سألوا أهل الكتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبروهم أنهم يجدون نعته في كتبهم، فغضبوا، وقالوا ذلك. وقيل: { الذين بين يديه }: القيامة والجنة والنار، فكأنهم جحدوا أن يكون القرآنُ من عند الله، وأن يكون ما دلّ عليه من الإعادة للجزاء حقيقة. { ولو ترى } يا محمد، أو مَن تصح منه الرؤية، { إِذِ الظالمون موقوفُون } محبوسون { عند ربهم } في موقف الحسابِ { يَرجِعُ } يردّ { بعضُهم إِلى بعضٍ القولَ } في الجدال والمحاورة. أخبر عن عاقبتهم ومآلهم في الآخرة، فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم، أو للمخاطب: ولو ترى في الآخرة موقفهم، وهم يتجاذبُون أطراف المحاورة، ويتراجعونها بينهم، لرأيت أمراً فظيعاً، فحذف الجواب لأن العبارة لا تفي به. ثم بيّن بعض محاورتهم بقوله: { يقول الذين استُضْعِفوا } أي: الأتباع السفلة { للذين استكبروا } أي: الرؤساء المقدّمين: { لولا أنتم لكنا مؤمنين } لولا دعاؤكم إيّانا إلى الكفر لكنا مؤمنين بالله ورسوله. { قال الذين استكبروا للذين استُضْعِفوا أَنحنُ صَدَدْناكم } رددناكم { عن الهُدى بعد إِذ جاءكم بل كنتم مجرمين } أي: بل أنتم صددتم باختباركم، ولم نقهركم على الكفر. أنكروا أنهم كانوا صادّين لهم عن الإيمان، وأثبتوا أنهم هم الذين صدُّوا أنفسهم، حيث أعرضوا عن الهدى، وآثروا التقليد عليه. وإنما وقعت " إذ " مضافاً إليها، وإن كانت " إذ " و " إذا " من الظروف اللازمة للظرفية لأنه قد اتّسع في الزمان ما لم يتَسع في غيره. { وقال الذين استُضعفوا للذين استكبروا بل مكرُ الليلِ والنهارِ } أي: بل مكركم بنا بالليل والنهار هو الذي صدّنا عن الهدى. أو: مَكَرَ بنا الليل والنهار، وطولُ السلامة، حتى ظننا أنكم على حق فقلدناكم. { إِذ تأمروننا أن نكفرَ بالله ونَجْعَلَ له أنداداً } أشباهاً، نعبدها معه. والحاصل: أن المستكبرين لَمَّا أنكروا أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين، وأثبتوا أن ذلك بسبب اختيارهم، كرّ عليهم المستضعفون بقولهم: { بل مكر الليل والنهار } فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم، كأنهم قالوا: ما كان الإجرامُ من جهتنا، بل من جهة مكركم بنا دائماً، ليلاً ونهاراً، وحملُكم إيّانا على الشرك واتخاذ الأنداد.

السابقالتالي
2