الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

قلت: حذف مفعولي زعم، أي: زعمتموهم آلهة تعبدونهم من دون الله، بدلالة السياق عليهما. يقول الحق جلّ جلاله: { قُلْ } لهم { ادعوا الذين زعمتم من دون الله } أي: زعمتموهم آلهة، فعبدتموهم من دون الله، من الأصنام والملائكة، وسميتموهم باسْمِهِ، فالتجئوا إليهم فيما يعروكم، كما تلتجئون إليه في اقتحام الشدائد الكبرى. وانتظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون استجابته. وهذا تعجيز وإقامة حجة على بطلان عبادتها. ويُروى أنها نزلت عند الجوع الذي أصاب قريشاً. ثم ذكر عجزهم فقال: { لا يملكون مثقال ذرةٍ } من خير أو شر، ونفع أو ضر { في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شِرْكٍ } أي: وما لهم في هذين العالَمين العلوي والسفلي، من شرك في الخلق، ولا في المُلك، { وما له } تعالى { منهم } من آلهتهم { من ظهيرٍ } معين يعينه على تدبير خلقه. يريد أنه على هذه الصفة من العجز، فكيف يصحُّ أن يُدْعَوا كما يدعى تعالى، أو يُرْجَوا كما يُرجى سبحانه؟ ثم أبطل قولهم:هَؤُلآَءِ شُفَعَآؤُنَا عِندَ اللهِ } [يونس: 18] بقوله: { ولا تنفعُ الشفاعةُ عنده إِلا لمن أَذِنَ له } تعالى في الشفاعة، ممن له جاه عنده، كالأنبياء، والملائكة، والأولياء، والعلماء الأتقياء، وغيرهم ممن له مزية عند الله. وقرأ أبو عمرو والأخوان بالبناء للمفعول، أي: إلا مَن وقع الإذن للشفيع لأجله. ثم ردّ على مَن زعم من الكفار أن الملائكة تشفع، قطعاً لمكانها من الله، فقال: { حتى إِذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق } فحتى: غاية لمحذوف، أي: وكيف تشفع قبل الإذن، وهي في غاية الخوف والهيبة من الله، إذا سمعوا الوحي صعقوا، { حتى إِذا فُزِّع عن قلوبهم } أي: كشف الفزع عن قلوبهم { قالوا ماذا قال ربكم } من الوحي؟ { قالوا الحقَّ } فمَن كان هذا وصفه لا يجترىء على الشفعاعة إلا بإذن خاص. قال الكواشي: إنه يفزع عن قلوبهم حين سمعوا كلام الله لجبريل بالوحي، قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر لأهل السماء أخذت السماوات منه رَجْفةٌ ـ أو قال: رَعْدَةٌ شديدةٌ ـ خوفاً من ذلك، فإذا سمع أهل السماوات صَعِقُوا، وخَرُّوا سُجداً، فيكون أول مَن يرفع رأسه جبريل، فيُكلمه من وَحْيِه بما أراد، ثم يَمُرُّ على سماءٍ سماء، إلى أن ينزل بالوحي، فإذا مَرَّ على الملائكة سألوه، ثم قالوا: ماذا قال ربكم؟ فيقول جبريل: قال الحقَّ " نصب المفعول بقالوا، وجمع الضمير تعظيماً لله تعالى. ثم قال: وفي الحديث: " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة، كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، حتى يأتيهم جبريل، فيفزع عن قلوبهم ـ أي: يكشف ـ ويخبرهم الخبر "

السابقالتالي
2