الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } * { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } * { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ }

قلت: { لسبأ } فيه الصرف، بتأويل الحي، وعدمه، بتأويل القبيلة. و { مسكنهم } ، مَن قرأ بالإفراد وفتح الكاف على القياس في الاسم والمصدر، كمدخَل، ومَن كسره فلغة، والسماع في المصدر كمسجِد. و { جنتان } بدل من { آية } أو: خبر عن مضمر، أي: هي جنتان. و { أُكل خَمْطٍ } ، فمَن أضافه فإضافة الشيء إلى جنسه، كثوب خز، ومَن نوّنه قطعه عن الإضافة، وجعله عطف بيان. أو صفة، بتأويل خمطٍ ببشيع. يقول الحق جلّ جلاله: { لقد كان لسبأٍ } سُئل صلى الله عليه وسلم أرجلاً كان أو امرأة، أو أرضاً أو جبلاً أو وادياً، فقال صلى الله عليه وسلم: " هو رجل من العرب، ولد عشرة من الولد، فتيامن ستةٌ، وتشاءم أربعةٌ: فالذين تيامنوا كثرة، فكندة، والأشعريون، والأزد، ومذحج، وأنمارُ، وحميرُ، فقال رجل: مَن أنمار يا رسول الله؟ قال منهم خَثْعَمُ وبَجِيلَةُ. والذين تشاءموا: عاملة، وجذام، ولخم، وغسان " قلت: وسبأ هو ابن يشخب بن يعرب بن قحطان. واختلف في قحطان، فقيل: هو ابن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح. وقيل: هو أخو هود عليه السلام. وقيل: هو هود، بنفسه، وإن هوداً هو ابن عبدالله بن رباح، لا ابن عابر، على الأصح. فهو على هذا القول ابن أرم بن سام. وقيل: قحطان من ولد إسماعيل، فهو ابن أيمن بن قيذر بن إسماعيل. وقيل: هو ابنُ الهميسع بن أيمن. وبأيمن سميت اليمن، وقيل: لأنها عن يمين الكعبة. هذا والعربُ كلها يجمعها أصلان: عدنان وقحطان، فلا عربي في الأرض إلا وهو ينتهي إلى أحدهما، فيقال: عدناني أو قحطاني. ومَن جعل العرب كلها من ولد إسماعيل مرّ على أن قحطان من ذرية إسماعيل، كما تقدّم، واختلف في خزاعة، فقيل: قحطانية، وقيل: عدنانية، وأن جدهم عمرو بن لحي، وأما الأوس والخزرج فهما من ذرية سبأ، نزلت يثرب، بعد سيل العرم، كما يأتي. قال تعالى: { لقد كان لسبأٍ في مسكنهم } أي: في بلدهم، أو أرضهم، التي كانوا مقيمين فيها باليمن، { آيةٌ } دالة على وحدانيته تعالى، وباهر قدرته، وإحسانه، ووجوب شكر نعمه، وهي: { جنتانِ } أي: جماعة من البساتين، { عن يمينٍ } واديهم، { وَشِمَالٍ } وعن شماله. وكل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتصافها كأنها جنة واحدة، كما يكون في بساتين البلاد العامرة. قيل: كان الناس يتعاطون ذلك على جَنْبتي الوادي، مسيرة أربعين يوماً، وكلها تُسقى من ذلك الوادي لارتفاع سده. أو: أراد بُسْتانين، لكل رجل بستان عن يمين داره، وبستان عن شماله. ومعنى كونهما آية: أن أهلها لَمّا أعرضوا عن شكر النعم سلبهم الله النعمة، ليعتبروا ويتَعظوا، فلا يعودوا لِمَا كانوا عليه من الكفر وغمط النعم، فلما أثمرت البساتين قلنا لهم ـ على لسان الرسل المبعوثين إليهم، أو بلسان الحال، أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك: { كُلُوا من رزق ربكم واشكرُوا له } بالإيمان والعمل الصالح، { بلدةٌ طيبةٌ } أي: هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة، { وربُّ غفور } أي: وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم ربٌّ غفور لمَن شكره.

السابقالتالي
2 3 4