الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ }

قلت: " الريح ": مفعول بمحذوف، أي: وسخرنا له الريح، ومَن رفعه فمبتدأ تقدّم خبره. يقول الحق جلّ جلاله: { و } سخرنا { لسليمانَ الريحَ } وهي الصبا، { غُدُوُّها شهرٌ ورَوَاحُهَا شهرٌ } أي: جريها بالغد مسيرة شهر، إلى نصف النهار، وجريها بالعشي كذلك. فتسير في يوم واحد مسيرة شهرين. وكان يغدو من دمشق، مكان داره، فيقيل بإصطخر فارس، وبينهما مسيرة شهر، ويروح من إصطخر فيبيت بكابُل، وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع. وقيل: كان يتغذّى بالريّ، ويتعشّى بسمرقند. وعن الحسن: لَمَّا عقر سليمان الخيل، غضباً لله تعالى، أبدله الله خيراً منها الريح، تجري بأمره حيث شاء، غدوها شهر ورواحها شهر. هـ. قال ابن زيد: كان لسليمان مركب من خشب، وكان فيه ألف ركن، في كل ركن ألف بيت معه، فيه الجن والإنس، تحت كل ركن ألف شيطان، يرفعون ذلك المركب، فإذا ارتفع أتت الريح الرخاء فتسير به وبهم. قلت: وقد تقدّم أن العاصفة هي التي ترفعه، والرخاء تسير به، وهو أصح. ثم قال: فتقيل عند قوم، وتُمسي عند قوم، وبينهما شهر، فلا يدري القوم إلا وقد أظلّهم، معه الجيوش. ويُروى أن سليمان سار من أرض العراق، فقال بمدينة مرو، وصلّى العصر بمدينة بلخ، تحمله الريح، وتظله الطير، ثم سار من بلخ متخللاً بلاد الترك، ثم سار به إلى أرض الصين، ثم عطف يُمنة على مطلع الشمس، على ساحل البحر، حتى أتى أرض فارس، فنزلها أياماً، وغدا منها فقال بكسكر، ثم راح إلى اليمن، وكان مستقره بها بمدينة تدْمُر، وقد كان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق، فبنوها له بالصفاح، والعُمد، والرخام الأبيض والأصفر. هـ. قلت: وذكر أبو السعود في سورة " ص " أنه غزا بلاد المغرب الأندلسي وطنجة وغيرهما، والله تعالى أعلم. ووُجدت هذه الأبيات منقورة في صخرة بأرض كسكر، أنشأها بعض أصحاب سليمان عليه السلام:
وَنَحْنُُ ولا حَوْلَ سِوََى حَوْلِ رَبّّنا نَرُوحُ إلى الأَوْطَانِ من أرضِ كسْكَر إذ نَحْنُ رُحْنا كان رَيْثُ رَوَاحنا مسِيرة شهرٍ والغدو لآخرِ أُناسٌ أعزَّ اللهُ طوعاً نفوسَهُم بنصر ابن داودَ النبيِّ المُطَهَّر لَهُمْ في مَعَالِي الدِّين فَضْلٌ ورفعةٌ وإن نُسِبُوا يوماً فَمِنْ خَيْر مَعْشَر متى يركب الريحَ المُطِيعةَ أسرَعَتْ مُبَادِرةً عن شهرهَا لم تُقَصِّر تُظِلُّهُم طيْرٌ صُفُوفٌ عَلَيْهِمُ مَتى رَفْرَفَتْ مِن فوقِهِمْ لمْ تُنْفرِ   
قال القشيري: وفي القصة أنه لاحظ يوماً مُلْكَه، فمال الريحُ، فقال له: استوِ، فقال له ما دمت أنت مستوياً بقلبك كنتُ مستوياً لك، فحيث مِلْتَ مِلتُ. هـ. ثم قال: { وأسَلْنَا له عينَ القِطْرِ } أي: معدن النحاس. والقطر: النحاس، وهو الصُفر، ولكنه أذابه له، وكان يسيل في الشهر ثلاثة أيام، كما يسيل الماء.

السابقالتالي
2 3