الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } * { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً }

يقول الحق جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمةَ الله عليكم } ، أي: ما أنعم الله به عليكم يوم الأحزاب، وهو يوم الخندق، وكان بعد حرب أُحد بِسَنَةٍ. { إذ جاءتكُمْ جنودٌ } أي: الأحزاب، وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة والنضير، وهو السبب في إيتانهم، { فأرسلنا عليهمْ ريحاً } أي: الصَّبَا، قال عليه الصلاة والسلام: " نُصرت بالصَّبَا، وأُهْلكَتْ عاد بالدَّبُور " قيل: كانت هذه الريح معجزة لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا قريباً منها، ولم يكن بينهم إلا عُرض الخندق، وكانوا في عافية منها. { و } لا شعور لهم بها. وأرسلنا عليهم { جنوداً لم تروها } وهو الملائكة، وكانوا ألفاً، فقلعت الأوتاد، وقطعت الأطناب، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور. وكان سبب غزوة الأحزاب: أن نفراً من اليهود، منهم ابن أَبي الحقيق، وحُيَي بن أخطب، في نفر من بني النضير، لَمَّا أجلاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم من بلدهم، قَدِموا مكة فحرّضوا قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرجوا إلى غطفان، وأشجع، وفزارة، وقبائلَ مِنَ العرب، يُحرضونهم على ذلك، على أن يعطوهم نصف تمر خَيْبَرَ كل سنة. فخرجت قريش، وقائدها أبو سفيان، وخرجت غطفان، وقائدها عيينة بن حِصن، والحارث بن عوف في مُرة، وسعد بن رخيلة في أشجع، وعامر بن الطفيل في هوازن. فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بهم، ضرب الخندق على المدينة، برأي سلمان. وكان أول مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يؤمئذ حُر. وقال: يا رسول الله: إنا كنّا بفارس، إذا حُوصرنا: خَنْدَقْناَ علينا، فحفر الخندق، وباشر الحفر معهم بيده صلى الله عليه وسلم. فنزلت قريش بمجتمع الأسيال من الجُرُفِ والغابة، في عشرة آلاف من أحابيشهم. ونزلت عطفان وأهل نجد بذنب نَقَمَي، إلى جانب أُحد. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سَلْع، في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هناك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام. واشتد الخوف، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام المشركون، بِضعاً وعشرين ليلة، ولم يكن حرب غير الرمي بالنبل والحصى. فلما اشتد البلاء بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عُيينة بن حصن، والحارث بن عوف، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمَن معهما، وكتبوا الكتاب ولم يقع الإشهاد، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فقال سعد بن معاذ: أشيء أمرك الله به، لا بدّ من العمل به، أم شيء تُحبه فتصنعه، أم شيء تصنعه لنا؟ قال: " لا، بل شيء أصنعه لكم، أردتُ أن أكْسِر عنكم شوكتهم "

السابقالتالي
2 3