الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً }

يقول الحق جلّ جلاله: { و } اذكر { إذ أخذنا } حين أخذنا { من النبيين ميثاقهم } بتبليغ الرسالة، والدعاء إلى الدين القيم، وإرشاد العباد ونصحهم. وقيل: أخذه عليهم في عالم الذر. قال أُبيّ بن كعب: لما أخرج الله الذرية، كانت الأنبياء فيهم مثل السُرُج، عليهم النور، فخُصُّوا بميثاقٍ وأخذ الرسالة والنبوة، وقال القشيري: أخذ الميثاق الأوَل وقت استخراج الذرية من صُلب آدم، عندَ بعثة كل رسول، ونُبُوَّة كل نبيٍّ، أخذ ميثاقه، وذلك على لسان جبريل عليه السلام، ومنَ اختصه بإسماعه كَلاَمَهُ بلا واسطة ملك كنبينا ليلة المعراج، وموسى - عليهما السلام - فأخذ الميثاق منهم بلا واسطة، وكان لنبينا - عليه الصلاة والسلام - زيادة حال بأن كان مع سماع الخطاب كشف الرؤية. ثم أخذ المواثيق من العباد بقلوبهم وأسرارهم. هـ. قال في الحاشية: والذي يظهر: أن أخذ الميثاق منهم مباشرة لا بوحي، وذلك في الغيب، ولذلك قدّم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه النور الأول قبل آدم، ثم انتقل إلى ظهره، وحينئذ، فأخذ الميثاق هنا غيبي، ولذلك قدّمه. وفي قوله:شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ... } [الشورى: 13] في عالم الظهور، فلذلك قدّم نوحاً، وثنَّى بنبينا لأن نوحاً أول أُولي العزم، ونبينا خاتمهم. والله أعلم. هـ. والحاصل: أن أخذ الميثاق كان مرتين في عالم الغيب وفي عالم الشهادة. وهل المراد به هنا الأول أو الثاني؟ قولان. { ومنك ومن نوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى ابنِ مريم } ، قال النسفي: وقدَّم رسول الله صلى اله عليه وسلم على نوح ومَن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء لأنهم أولو العزم، وأصحاب الشرائع، فلمَّا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هؤلاء قُدّم عليهم، ولولا ذلك لقدّم مَن قدمه زمانه. هـ { وأخذنا منهم ميثاقا غليظاً } وثيقاً. وأعاد ذكر الميثاق لانضمام الوصف إليه. وإنما فعلنا ذلك { ليَسْألَ } اللهُ { الصادقين } أي: الأنبياء: { عن صِدْقِهم } عما قالوه لقومهم، وهل بلغوا ما كلفهم به. وفيه تبكيت للكفار، كقوله:فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } [الأعراف: 6]، أو: ليسأل المصدّقين للأنبياء عن تصديقهم: هل كان بإخلاص أم لا؟ لأن مَن قال للصادق: صدقت كان صادقاً في قوله. أو: ليسأل الأنبياء: ما الذي أجابتهم أممهم؟ وهو كقوله:يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ } [المائدة: 109]، { وأعَدَّ للكافرين } بالرسل { عذاباً أليماً } ، وهو عطف على " أخذنا " ، لأن المعنى: أن الله تعالى أخذ على الأنبياء العهد بالدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين، وأعَدَّ للكافرين عذاباً أليماً. أو: على ما دلّ عليه: { ليسأل الصادقين } ، كأنه قال: فأثاب المؤمنين، وأعدَّ للكافرين عذاباً أليماً. الإشارة: كما أخذ الله الميثاق على الأنبياء والرسل أخذ الميثاق على العلماء والأولياء.

السابقالتالي
2