الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }

يقول الحق جلّ جلاله: { النبيُّ أولى بالمؤمنين } أي: أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم { من أنفسهم } ، فإنه لا يأمرهم، ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، فيجب عليهم أن يبذلوها دونه. ويجعلوها فداء منه. وقال ابن عباس وعطاء: يعني: " إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء، ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعةُ النبي صلى الله عليه وسلم أولى. أو: هو أولى بهم، أي: أرأف، وأعطف عليهم، وأنفع لهم، كقوله:بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 128] وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: " ما من مؤمن إلا وأنَا أوْلَى الناس به في الدنيا والاخرة، اقرؤوا إن شئتم: { النبيُّ أوْلَى بالمؤمنين من أنْفُسِهِمْ } فأيُّمَا مُؤْمِن هَلَكَ، وتركَ مالاً فلورَثَته ما كانوا، ومَن تَرَكَ دَيْناً أو ضَيَاعاً فليَأتني، فإني أنا مَوْلاه ". وفي قراءة ابن مسعود " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم ". وقال مجاهد: كل نبي أبو أمته، ولذلك صار المؤمنون إخوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبوهم في الدين، وأزواجه أمهاتهم، في تحريم نكاحهن ووجوب تعظيمهن، وهن فيما وراء ذلك - كالإرث وغيره - كالأجنبيات، ولهذا لم يتعدَّ التحريم إلى بناتهن. { وأولوا الأرحام } أي: ذوو القرابات { بعضهم أوْلى ببعض } في المواريث. وكان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرةِ، لا بالقرابة، ثم نسخ، وجعل التوارث بالقرابة. ذلك { في كتاب الله } أي: في حُكْم الله وقضائه، أو: في اللوح المحفوظ، أو: فيما فرض الله، فهم أولى بالميراث، { من المؤمنين } بحق الولاية في الدين، { و } من { المهاجرين } بحق الهجرة. وهذا هو الناسخ. قال قتادة: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة، ولا يرث الأعرابي المسلم من المهاجر شيئاً. فنزلت. وقال الكلبي: آخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين الناس، فكان يؤاخي بين الرجلين، فإذا مات أحدهما ورثه الآخر، دون عصبته، حتى نزلت: { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } في حكمه، { من المؤمنين والمهاجرين } ، ويجوز أن يكون { من المؤمنين }: بياناً لأولي الأرحام، أي: وأولو الأرحام، من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضاً من الأجانب، { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً } أي: لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفاً، وهو أن تُوصوا لمَن أحببتم من هؤلاء بشيء، فيكون له ذلك بالوصية، لا بالميراث فالاستثناء منقطع. وعَدّى " تفعلوا " بإلى، لأنه في معنى تُسْنِدُوا، والمراد بالأولياء: المؤمنون، والمهاجرون: المتقدمون الذين نسخ ميراثهم. { كان ذلك } أي: التوارث بالأرحام { في الكتاب مسطوراً } أي: اللوح المحفوظ، أو: القرآن. وقيل: في التوراة. الإشارة: متابعته عليه الصلاة والسلام، والاقتباس من أنواره، والاهتداء بهديه، وإيثار محبته، وأمره على غيره لا ينقطع عن المريد أبداً، بدايةً ونهايةً إذ هو الواسطة العظمى، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأرواحهم وأسرارهم.

السابقالتالي
2