الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِن الذين يُؤذون اللهَ ورسولَه } بارتكابهم ما يكرهانه من الكفر والمعاصي والبدع. وقال ابن عباس: هم اليهود والنصارى والمشركون. فقالت اليهود:يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ } [المائدة: 64]،إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ } [آل عمران: 181] وقالت النصارى:الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ } [التوبة: 30]،إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [المائدة: 73]. وقال المشركون: الملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه. وقيل: يؤذونه: يُلحدون في أسمائه وصفاته. ويؤذون رسول الله، حين شُج وجهه، وكُسرت رباعيتُه، وقيل له: هو ساحر وشاعر ومجنون. أو: بترك سُنَّته ومخالفة شريعته. ويحتمل أن يكون المراد يؤذون رسولَ الله فقط بالتنقيص، أو بالتعرُّض لنسائه. وذكرُ اسم الله للتشريف. { لعنَهُم اللهُ في الدنيا والآخرة } أي: أبعدهم من رحمته في الدارين { وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً } يُهينهم ويُخزيهم في النار. { والذين يُؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } بغير جناية يستحقون بها الإيذاء، { فقد احتملوا بُهتاناً } كذباً { وإِثماً مبيناً } ظاهراً، وإنما أطلق في إيذاء الله ورسوله، وقيّد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إلا بغير حق، وأما إيذاء المؤمنين فمنه ما يكون بحق، كالحدّ والتعزير، ومنه باطل. وقيل: نزلت في ناس من المنافقين، كانوا يؤذون عليًّا رضي الله عنه، ويُسْمِعُونه، وقيل: في زُناة المدينة، كانوا يمشون في طرق المدينة، ويتبعون النساء إذا تبرزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيغمزون المرأة، فإن سكتتْ اتبعوها، وإن زجرتهم انتهوا. وعن الفضيل: لا يحلّ أن تؤذي كلباً أو خنزيراً بغير حق، فكيف بالمؤمنين؟ هـ. الإشارة: إذاية الله ورسوله هي إذاية أوليائه، ونقله الثعلبي عن أهل المعاني، فقال: فأراد الله تعالى المبالغة في النهي عن أذى أوليائه، فجعل أذاهم أذاه. هـ. ويؤيده الحديث القدسي: " مَن آذى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة " ،أو كما سبحانه. وإذاية المؤمنين كثيرة، تكون باللسان وبغيره، وقد قالوا: البَر لا يؤذي الذر. ومن أركان التصوف: كف الأذى، وحمل الجفا، وشهود الصفا، ورمي الدنيا بالقفا. وبالله التوفيق. ثم أمر بتمييز الحرائر من الإماء في اللباس فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ... }