الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

يقول الحق جلّ جلاله: { ما جعل اللهُ لرجلِ من قلبين في جوفه } فيؤمن بأحدهما ويكفر بالآخر، أو: يتقي بأحدهما ويعصي بالآخر، أو: يُقبل على الله بأحدهما ويُقبل على الدنيا بالآخر، بل ما للعبد إلا قلب واحد، إن أقبل به على الله أدبر عمن سواه، وإن أقبل به على الدنيا، أدبر عن الله. قيل: الآية مثل المنافقين، أي: إنه لا يجتمع الكفر والإيمان، وقيل: لا تستقر التقوى ونقض العهد في قلب واحد. وقال ابن عطية: يظهر من الآية، بجملتها، أنها نفي لأشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت، وإعلام بحقيقة الأمر فيها، فمنها: أن العرب كانت تقول: الإنسان له قلب يأمره وقلب ينهاه، وكان تَضَادُّ الخواطر يحملها على ذلك.. الخ كلامه. قال النسفي: والمعنى: أنه تعالى لم يجعل للإنسان قلبين لأنه لا يخلو: إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب، فأحدهما فَضْلَةٌ، غير مُحْتاَج إليه، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذلك، فيؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً، عالماً ظانّاً، موقناً شاكّاً في حالة واحدة. هـ. وكانت العرب تعتقد أيضاً أن المرأة المظاهَرَ منها: أُمًّا، فردّ ذلك بقوله: { وما جعل أزواجَكم اللائي تُظاهرون منهن أمهاتِكم } أي: ما جمع الزوجية والأمومة في امرأة واحدة لتضاد أحكامهما لأن الأم مخدومة، والمرأة خادمة. وكانت تعتقد أن الدّعي ابن، فردّ عليهم بقوله: { وما جعل أدعياكم أبناءكم } أي: لم يجعل المُتَبَنَّى من أولاد الناس ابناً لمَن تبناه لأن البنوة أصالة في النسب، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية، لا غير، ولا يجتمع في شيء واحد أن يكون أصيلاً وغير أصيل. ونزل هذا في " زيد بن حارثة " ، وهو رجل من كلب، سُبي صغيراً، فاشتراه حكيم بن حزام، لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له، فطلبه أبوه وعمه، وجاءا بفدائه، فخُيَّر، فاختار رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وتبنّاه. وكانوا يقولون: زيد بن محمد، فلما تزوج النبيُّ صلى الله عليه وسلم زينب وكانت تحت زيد - على ما يأتي - قال المنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عنه، فأنزل الله هذه الآية. وقيل: كان المنافقون يقولون: لمحمد قلبان، قلب معكم، وقلب مع أصحابه. وقيل: كان " أبو مَعْمَر " أحفظ العرب، فقيل: ذو القلبين، فأكذب اللهُ قولَهم. والتنكير في رجل، وإدخال " مِن " الاستغراقية على " قلبين " ، وذكر الجوف للتأكيد. و " اللائي ": جمع " التي ". وفيها قراءات: " اللاء " بالهمزة مع المد والقصر، وبالتسهيل، وبالياء، بدلاً من الهمز.

السابقالتالي
2 3