الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } * { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }

يقول الحق جلّ جلاله: { يا نساء النبي لستُنَّ كأحدٍ من النساء } أي: لستن كجماعة من جماعات النساء، أي: إذا تقصيت أمة النساء، جماعةً جماعةً، لم توجد منهن جماعة واحدة تُساويكن في الفضل، فكما أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليس كأحد من الرجال، كما قال: " إني لسْتُ كَأَحَدِكُمْ... " كذلك زوجاته التي شرُفن به. وأصل " أحد ": وَحَدٍ، بمعنى: واحد، فوضع في النفي العامّ، مستوياً فيه المذكّر والمؤنّث، والواحد وما وراءه، أي: لستن في الشرف كأحد من النساء، { إنِ اتقيْتنَّ } مخالفةَ الله ورضا رسوله، { فلا تَخْضَعْنَ بالقولِ } أي: إذا كلمتن الرجال من وراء الحجاب، فلا تجئنَ بقولكنّ خاضعاً، أي: ليناً خنثاً مثل قول المُريبات، { فيَطْمَع الذي في قلبه مرضٌ } ريبة، وفجور، وهو جواب النهي، { وقُلْنَ قولاً معروفاً } حسناً مع كونه خشيناً. { وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ } أي: استكِن فيه، والْزَمن بيوتكن من غير خروج. وقرأ نافع وعاصم بالفتح، وهو من: قرَر يَقْرَرُ، لغة في قرّ بالمكان، وأصله: اقرَرن، فحذفت الراء، تخفيفاً، وألقيت فتحتها على ما قبلها. وقيل: من: قار يقار: إذا اجتمع. والباقون بالكسر، من: قرّ بالمكان يقِرّ ـ بالكسر، وأصله: اِقْررْن، فنقلت كسرة الراء إلى القاف، وحذفت الراء. وقيل: من: وَقَر يَقِر وقاراً. { ولا تبرَّجْنَ تبرجَ الجاهليةِ الأُولى } أي: لا تتبخترن في المشي تبختر أهل الجاهلية، فالتبرُّج: التبختر في المشي وإظهار الزينة، أي: ولا تبرجن تبرجاً مثل { تبرج الجاهلية الأولى } أي: القديمة، وهو الزمان الذي وُلد فيه إبراهيم عليه السلام، فكانت المرأة تتخذ فيه الدرع من اللؤلؤ، وتعرض نفسها على الرجال، زمان نمرود الجبار، والناس كلهم كفار. أو: ما بين آدم ونوح عليهما السلام ثمانمائة سنة. وكان نساؤهم أقبح ما يكون، ورجالهم حِسَان، فتريده المرأة على نفسها. أو: زمن داود وسليمان عليهما السلام، وكان للمرأة قميص من الدرّ، غير مخيط الجانبين، فتظهر صورتها فيه. والجاهلية الأخرى: ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام أو: الجاهلية الأولى: جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى: جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام. { وأقِمْنَ الصلاةَ وآتينَ الزكاة } خصهما بالذكر تفضيلاً لهما لأن مَن واظب عليهما جرتاه إلى غيرهما. { وأَطِعْنَ اللهَ ورسولَه } في سائر ما أمرَكن به، ونهاكن عنه. { إِنما يُريد اللهُ ليُذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت } أي: يا أهل البيت، أو: أخص أهل البيت. وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته. قال البيضاوي: وتخصيص أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما، لِما رُوي أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ خرج ذات غدوة عليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شعر أسود، فجاءت فاطمة، فأدخلها، ثم جاء عليّ، فأدخله فيه، ثم جاء الحسن والحسين، فأدخلهما فيه، فقال:

السابقالتالي
2