الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } * { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

يقول الحق جلّ جلاله: { وَرَدَّ اللهُ الذين كفروا } أي: الأحزاب { بغَيْظِهم } ملتبسين بغيظهم، فهو حال كقوله:تَنبُتُ بِالدُّهنِ } [المؤمنون: 20] أي: ردهم غائظين { لم ينالوا خيراً } ظفراً، أي: لم يظفروا بالمسلمين. وسمّاه " خيراً " بزعمهم، وهو أيضاً حال، أي: غير ظافرين، { وكفى اللهُ المؤمنين القتال } بالريح، والملائكة، { وكان اللهُ قوياً عزيزاً } قادراً غالباً، فقهرهم بقدرته وغلبهم بقهريته. { وأنزل الذين ظاهروهم }: عاونوا الأحزاب وجاؤوا بهم { من أهلِ الكتاب } ، يعني بني قريظة، أنزلهم { من صَياصِيهم } من حصونهم. والصيصة: ما يتحصّن به. قال الهروي: وكل ما يتحصّن به فهو صيصة، ويقال لقرون البقر والظبي: صَيَاصي لأنها تتحصن بها، وفي وصف أصحاب الدجال: " شواربهم كالصياصي " ، لطولها، وفتلها، فصارت كالقرون. هـ. رُوي أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب، ورجع المسلمون إلى المدينة - على فَرَسه الحيزوم، والغُبار على وجه الفَرَس والسَّرْج، فقال: ما هذا جبريلُ؟ فقال: من مُتَابعةِ قُريش. ثم قال: إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة، وأنا عائدٌ إليهم، فإن الله داقهُمْ دَقَّ البيض على الصَّفا، وهم لكم طُعْمةٌ. وفي رواية: لَمَّا رجع - عليه الصلاة والسلام - ودخل مغتسله، جاءه جبريل بعمامة من استبرق، على بغلة، عليها قطيفة من ديباج، فقال: قد وضعتَ السِّلاح، والله ما وضعت الملائكةُ السلاحَ، وما رجعت إلا من طلب القوم، وإن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة. فأذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس: أنَّ من كان سَامِعاً مُطيعاً فلا يُصلَّين العَصْرَ إلا في بني قُريظة. فخرج إليهم، فحاصرهُم خمساً وعشرين ليلةٌ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنزلُون على حُكْمي؟ فأبَوْا، فقال: تنزلون على حكم سَعد بن مُعاذِ؟ فرضوا به. فقال سعد: نحكم فيهمْ: أن تُقتل مقاتِلتَهُم، وتُسبى ذَرارِيهمْ ونساؤُهُم. فكبَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال: " لقد حكم فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة ". ثم استنْزلهم، وخَنْدَق في سوق المدينة خندقاً، وقدَّمَهُم، فضرب أعناقَهُم. وهم من ثمانمائة إلى تسعمائة. وقيل: كانوا ستمائة مقاتل، وسبعمائة أسير، فقتل المقاتلة، وقسم الأسارى، وهم الذراري والنساء. وكان عليّ والزبير رضي الله عنهما يضربان أعناق بني قريظة. والنبي صلى الله عليه وسلم جالس هناك. والقصة مطولة في كتب السير. { وقذَفَ في قلوبهم الرعبَ } الخوف. وفيه السكون والضم، { فريقاً تقتلون } وهم الرجال { وتأسرون فريقاً } وهم النساء والذراري. قالت عائشة رضي الله عنها: لم يقتل صلى الله عليه وسلم من نساء بني قريظة امرأة إلا واحدة، قتلها بخلاد بن سويد، كانت شدخت رأسه بِحجَر من فوق الحصن.

السابقالتالي
2