الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } * { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

يقول الحق جل جلاله: { لقد كان لكم في رسول الله } محمد صلى الله عليه وسلم { أسوَةٌ حَسَنَة } خَصْلَةٌ حسنة، من حقها أن يُؤتسى بها كالثبات في الحرب، ومقاساة الشدائد، ومباشرة القتال. أو: في نفسه قدوة يحسن التأسي به. كما تقول: في البيضة عشرون رطلاً من حديد، أي: هي في نفسها عشرون. وفيه لغتان: الضم والكسر، كالعِدوة والعُدوة، والرِشوة والرُشوة. وهي { لمَن كان يرجو اللهَ واليوم الآخر } أي: يخاف الله ويخاف اليوم الآخر، أو: لأجل ثواب الله ونعيم اليوم الآخر. و " لمن ": قيل: بدل من ضمير " لكم " ، وفيه ضعف إذ لا يبدل من ضمير المخاطب إلا ما يدل على الإحاطة. وقيل: يتعلق بحسنة، أي: أسوة حسنة كائنة لمَن آمن، { وذكر الله كثيراً } أي: في الخوف والرجاء، والشدة والرخاء، فإن المؤتسِي بالرسول يكون كذلك. { ولمَّا رأى المؤمنون الأحزابَ } قد أقبلوا عليهم ليستأصلوهم، وقد وعدهم الله أن يسلط عليهم المحن، ويُزَلْزَلُوا حتى يستغيثوا ويستنصروا بقوله:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم.. } [البقرة:214] إلى قوله:نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214]، فلما جاء الأحزاب واضطربوا { قالوا هذا ما وعدنا اللهُ ورسولهُ وصدق اللهُ ورسولهُ } ، وعَلِمُوا أن الجنة والنصرة قد وجبت لهم. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: " إنَّ الأحزاب سائِرون إليكم، في آخر تِسْع ليال، أو عشر " ، فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد، قالوا ذلك. و { هذا }: إشارة إلى الخطب والبلاء، أي: هذا الخطب الذي وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، { وما زادهم } ، ما رأوا من اجتماع الأحزاب ومجيئهم، { إلا إيماناً } بالله وبمواعيده { وتسليماً } لقضائه وأقداره. { من المؤمنين رجال صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه } أي: صدقوا فيما عاهدوه، فحذف الجار، وأوصل المفعول إلى " ما " وذلك أن رجالاً من الصحابة نَذَرُوا أنهم إذا لقوا حرباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا، وقاتلوا حتى يُسْتَشْهَدُوا، وهم: عثمان بن عفان، وطلحة، وسعيد بن زيد، وحمزة، ومصعب، وأنس بن النضر، وغيرهم. { فمنهم مَن قضى نَحْبهُ } نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة، ومصعب، وأنس بن النضر. والنَّحْبُ: النذر، واستعير للموت لأن كل حي من المحدثات لا بد له أن يموت، فكأنه نذرٌ لازم في رقبته، فإذا مات فقد قضى نحبه، أي: نذره. وقال في الصحاح: النحب: النذر، ثم قال: والنَّحْبَ: المدة والوقت. يقال: قضى فلان نَحْبَه، إذا مات. هـ. فهو لفظ مشترك بين النذر والموت. وصحح ابنُ عطية أن النحب الذي في الآية ليس من شرطه الموت. بل معناه: قَضَى نذره الذي عاهد الله عليه من نصرة الدين، سواء قُتل أو بقي حيًّا.

السابقالتالي
2