الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

يقول الحق جل جلاله: { اللهُ الذي خلق السماوات والأرضَ وما بينهما في } مقدار { ستةِ أيام ثم استوى على العرش } أي: استولى بقهرية ذاته. وسئل مالك عنه، فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عن هذا بدعة. هـ. ولم تتكلم الصحابة على الاستواء، بل أمسكوا عنه، ولذلك قال مالك: السؤال عنه بدعة. وسيأتي شيء في الإشارة. { ما لكم من دونه } من دون الله { من وليٍّ ولا شفيعٍ } أي: إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم ولياً، أي: ناصراً ينصركم، ولا شفيعاً يشفع لكم، { أفلا تتذكرون } تتعظون بمواعظ الله. { يُدبّرُ الأمرَ } أي: أمر الدنيا. وما يكون من شؤونه تعالى في ملكه، فهو كقوله:كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن:29]، أي: يُبديه لا يبتديه. وهو إشارة إلى القضاء التفصيلي، الجزئي، لا الكلي، فإنه كان دفعة. يكون ذلك التدبير { من السماء إلى الأرض } ، فيدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية، نازلة آثارها إلى الأرض. { في يوم كان مقداره ألفَ سنةٍ مما تعدُّون } من أيام الدنيا. قال الأقليشي: جاء في حديث: " إن بُعد ما بين السماء والأرض، وما بين سماء إلى سماء، مسيرة خمسمائة سنة " وفي حديث آخر: " إن بين ذلك نَيِّفاً وسبعين سنة " ، وإنما وقع الاختلاف في ذلك بالنسبة إلى سير الملائكة. وإن سرعة بعضها أكثر من سرعة بعض. كما يقول القائل: من موضع كذا إلى كذا مسيرة شهر للفارس وشهرين للراجل، وعليه يخرج قوله تعالى: { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ }. وقال في آية أخرى:خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [المعارج:4]. وهكذا الوجود مَنْ علوه إلى سفله، مِنْ الملائكة من يقطعه في مدةٍ ما، ويقطعه غيره في أكثر منها أو أقل. هـ. وقيل: المعنى: أنه يدبر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر، فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة، أو خمسين ألف سنة. فقد قيل: إن مواقف يوم القيامة خمسون موقفاً، كل موقف ألف سنة. وقد حكى هذا ابن عطية، فقال: يُدبر الأمر في مدة الدنيا، ثم يعرج إليه يوم القيامة. ويوم القيامة: مقداره ألف سنة من عَدِّنا. وهو على الكفار قدر خمسين ألف سنة لِهوله، حسبما في سورة المعارج. هـ. قلت: والتحقيق، في الفرق بين الآيتين، أن الحق تعالى، حيث لم يختص بمكان دون مكان، وكانت الأمكنة في حقه تعالى كلها واحدة، وهو موجود معها وفيها بعلمه وأسرار ذاته، كان العروج إنما هو إليه على كل حال، بعدت المسافة أو قربت. لكن لما علقَ العروج بتدبير الأمور وتنفيذها، قرّب المسافة ليعلم العبد أن القضاء نافذ فيه بسرعة.

السابقالتالي
2