الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { أوَلَمْ يَرَوا أَنَّا نسوقُ الماءَ }: المطر { إلى أرض الجُرُز } أي: التي جُرِزَ نباتها، أي: قُطِعَ، ولم يَبْقَ منه شيء إما لعدم الماء، أو لأنه رُعِيَ. يقال: جرزت الجراد الزرع إذ استأصلته، وفي القاموس: وأرض جرز: لا تنبت، أو أكل نباتها، أو لم يصبها مطر. ثم قال: وأرض جارزة: يابسة غليظة، وفيه أربع لغات: جُرْز وجُرُز وجَرَز وجُرَز. ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ: جرز، بدليل قوله: { فنُخرج به } أي: بالماء، { زرعاً تأكل منه } أي: الزرع، { أنعامُهم } كالتبن والورق، { وأنفسُهم } كالحب والتمر، المراد بالزرع: كل ما يُزرع ويُستنبت، أفلا يُبصرون، فيستدولون به على قدرته على إحياء الموتى؟. { ويقولون متى هذا الفتحُ } أي: النصر، أو الفصل بالحكومة من قولهرَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا } [الأعراف: 89]. وكان المسلمون يقولون: إن الله سيفتح لنا على المشركين، أو يفتح بيننا وبينهم، فإذا سمع المشركون، قالوا: متى هذا الفتح؟ أي: في أي وقت يكون { إن كنتم صادقين } في أنه كائن؟. { قل يومَ الفتح } أي: يوم القيامة هو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم. أو: يوم نصرهم عليهم. أو: يوم بدر، أو يوم فتح مكة، { لا ينفعُ الذين كفروا إيمانُهم } لفوات محله، الذي هو الإيمان بالغيب، { ولا هم يُنْظَرون } يُمْهِلون، وهذا الكلام لم ينطبق جواباً عن سؤالهم ظاهراً، ولكن لمّا كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالاً منهم، على وجه التكذيب والاستهزاء، أُجيبوا على حسب ما عُرف من غرضهم من سؤالهم، فقيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزئوا، فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم، فلم ينفعكم الإيمان، واستنظرتم عند درك العذاب فلم تُمهلوا. ومن فسره بيوم بدر أو بيوم الفتح، فهو يريد المقتولين منهم فإنهم لا ينفعهم إيمانهم في حال الفعل، كما لم ينفع فرعون إيمانه عند دَرَك الغرق. { فأَعْرِضْ عنهم وانتظرْ } النصر وهلاكهم، { إنهم مُنتظِرون } الغلبة عليكم وهلاككم. قال عليه الصلاة والسلام: " من قرأ { الم تَنزِيلُ } في بيته، لم يدخل الشيطان به ثلاثة أيام ". الإشارة: أولم يروا أنا نسوق الماء الذي تحيا به القلوب على يد المشايخ، إلى القلوب الميتة بالجهل والغفلة، فنخرج به ثمار الهداية إلى الجوارح، تأكل منه، من لذة حلاوته، جوارحُهم وقلوبُهم أفلا يبصرون؟. ويقول أهل الإنكار لوجود هذا الماء: متى هذا الفتح، إن كنتم صادقين في أنه موجود؟ قل: يوم الفتح الكبير - وهو يَوْمَ يَرْفَعُ اللهُ أولياءه في أعلى عليين - لا ينفع الذين كفروا بالخصوصية، في دار الدنيا، إيمانُهم في الالتحاق بهم، ولا هم يُمهلون حتى يعلموا مثل عملهم، فأعرض عنهم اليوم، واشتغل بالله، وانتظر هذا اليوم، إنهم منتظرون لذلك. قال القشيري: " أو لم يروا.. " الآية. الإشارة فيه: نَسْقي حَدَائِقَ وصلهم، بعد جفاف عُودِها، فيعود عُودُها مورِقاً بعد ذبوله، حاكياً حالُه حالَ حصوله، ويقولون متى هذا الفتح.. استبعدوا يومَ التلاق، وجحدوه، فأخبرهم أنه ليس لهم إلا الحسرة والمحنة إذا شهدوه. قوله تعالى: { فأعرض عنهم.. } أي: باشتغالك بنا، وإقبالك علينا، وانقطاعك إلينا، وانتظر زوائد وَصْلِنا وعوائدَ لطفنا، إنهم منتظرون هواجِمَ مقتنا وخفايا مكرنا. وعن قريب وَجَدَ كُلٌّ مُنْتَظَرَهُ مُحْتَضَراً هـ. وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد، عين الوصول إلى التحقيق، وعلى آله المبينين سواء الطريق، وسلم.