الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { قل يتوفاكم مَلَكُ الموتِ الذي وُكِّل بكم } بقبض أرواحكم فتموتون،، { ثم إلى ربكم تُرجعون } بالبعث للحساب والعقاب. وهذا معنى لقاء الله الذي أنكروه. والتوفي: استيفاء الروح، أي: أخذها، من قولك: توفيت حقي من فلان، إذا أَخَذْتُه وافياً من غير نقصان. وعن مجاهد: زُويت الأرض لملك الموت، وجُعلت مثل الطست، يتناول منها حيث يشاء. وعن مقاتل والكلبي: بلغنا أن اسم ملك الموت " عزرائيل " وله أربعة أجنحة: جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، والخلق بين رجليه ورأسه وجسده كما بين السماء والأرض، وله الدنيا مثل راحة اليد، فهو يقبض أنفس الخلائق بمشارق الأرض ومغاربها، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. وعن معاذ بن جبل: أن لملك الموت حربة، تبلغ ما بين المشرق والمغرب، وهو يتصفح وجوه الموتى، فما من أهل بيت إلا وهو يتصفحهم كل يوم مرتين - وفي حديث آخر، خمس مرات، فإذا رأى إنساناً قد انقضى أجله ضربه بتلك الحربة. وقال: الآن يُزار بك عسكر الأموات. فإن قيل: ما الجمع بين قوله:تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [الأنعام: 61] وتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [النساء: 97] و { قُل يَتَوَفَاكُم مَّلَكُ المَوتِ } وقوله:ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ } [الزمر: 42]؟ فالجواب: أن توفي الملائكة، القبضُ والنزعُ، وتوفي ملك الموت الدعاء والأمر، يدعو الأرواح فتجيبه، ثم يأمر أعوانه بقبضها، ثم يذهبون بها إلى عليين، وقبض الحق تعالى: خَلْقُ الموتِ فيه: والحاصل: أنَّ قبض الملك: المباشرة، وقبض الحق: الإخراجُ حقيقةً. قال الورتجبي: قال الحسن: ملك الموت هو الموكل بأرواح بني آدم، وملك الفناء موكل بأرواح البهائم. فانظر فيه. وأما حديث ملكي الموت والحياة، فقال العراقي: لم أجد له أصلاً. ويعني بملك الحياة: كون الأرواح أنفاسَ ملك الحياة كما في الإِحْيَاء. ومذهب أهل السُنَّة قاطبة: أن ملك الموت هو الّذي يقبض جميع الأرواح، من بني آدم والبهائِم وسائر الحيوانات. وبه قال مالك وأشهب. وذهب قوم إلى أن أرواح البهائم وسائر الحيوانات إنما تَقبض أرواحَهَا أعوانُ ملك الموت. وذهب قوم إلى أن الموت في حق غير بني آدم، إنما هو عَدَمٌ مَحْضٌ، كيبس الشجر وجفاف الثياب، فلا قبض لأرواحها وهو أعم من كونها تُبعث أو: لا بأن تعاد عن عدم بخلاف المكلف فإن روحه لا تعدم، خلافاً للملاحدة، فإنهم جعلوا الموت كله عدماً محضاً، كجفاف العود الأخضر، وهو كفر. هذا وقد اختلف في كون الموت ضد الحياة، فيكون معنىً وجودياً، أو هو عدم الحياة، فيكون عدماً، وعلى كلا القولين فالأرواح باقية بعد مفارقة الأبدان، منعّمة أو معذبة. { ولو ترى } يا محمد { إذِ المجرمون } وهو الذين قالوا: { أئذا ضللنا في الأرض... } إلخ، و " لو " و " إذ " للماضي، وإنما جاز هنا لأن المُتَرَقَّبَ محقق الوقوع، و " ترى " هنا، تامة لا مفعول لها، أي: لو وقعت منك رؤيةٌ { إذ المجرمون ناكسوا رؤوسِهم } أي: وقت كون المجرمين ناكسي رؤوسهم من الذل والحياء والندم، { عند ربهم } عند حساب ربهم، قائلين: { ربنا أبصَرْنا وسَمِعْنا } أي: صدَّقنا الآن وعدك ووعيدك، وأبصرنا ما حدثَتْنَا به الرسلُ، وسمعنا منك تصديق رسلك، { فارجعنا } إلى الدنيا { نعملْ صالحاً } من الإيمان والطاعة، { إِنا موقنون } بالبعث والحساب الآن.

السابقالتالي
2 3