الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

يقول الحق جل جلاله: { ومن الناس من يشتري لَهْوَ الحديث } أي: ما يلهى به عما يقرب إلى الله كالأحاديث التي لا أصل لها، والخرافات التي لا حقيقة لها، والمضاحك، وفضول الكلام. قيل: نزلت في النَّضر بن الحارث، كان يخرج إلى فارس للتجارة، فيشتري أخبار الأعاجم، ثم يُحدث قريشاً بها، ويقول: إن محمداً يُحدثكم بأخبار عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رُسْتُم، وأخبار الأكاسرة، فيستملحُون حديثه ولا يسمعون القرآن. وقيل: كان يشتري القيان، ويحملهن على معاشرة من أراد الإسلام ليصده عنه. والإشتراء من الشراء، كما تقدم عن النضر، ومن البدل، كقوله:ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } [آل عمران: 177]. استبدلوه واختاروه، أي: يختار حديث الباطل على حديث الحق. وإضافة اللهو إلى الحديث، للتبيين بمعنى " من " لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره، فيبين بالحديث، والمراد بالحديث: الحديث المكروه، كما جاء في الحديث: " الحديث في المسجد يأكل الحسنات، كما تأكل البهيمة الحشيش " ، أو: للتبعيض، كأنه قيل: ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي فيه اللهو. وقال مجاهد: يعني: شراء المغنيات والمغنيين، أي: يشتري ذات لهو، أو ذا لهو الحديث. وقال أبو أمامة: قال عليه الصلاة والسلام: " لا يحل تعليم المغنيات، ولا بيعهن، وأثْمانُهنَّ حرام " وفي مثل هذا نزلت هذه الآية، ثم قال: " وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين: أحدهما على هذا المنكب، والآخر على هذا المنكب، فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يسكت ". قلت: هذا مقيد بِشِعْرِ الهوى لأهل الهوى، وأما أهل الحق الذين يسمعون من الحق، فلا يتوجه الحديث لهم، وسيأتي في الإشارة تحقيقه إن شاء الله. ثم قال أبو أمامة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى بعثني هدى ورحمة للعالمين، وأمرني ربي بمحو المعازف والمزامير والأوثان، والصلب وأمر الجاهلية، وحلف ربي بعزته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة خمر متعمداً إلا سقيته مثلها من الصديد يوم القيامة، مغفوراً له أو معذباً، ولا سقاها غيره إلا فعلت به مثل ذلك، لا يتركها عبد من مخافتي إلا سقيته من حياض القدس يوم القيامة " انظر الثعلبي. ثم قال تعالى: { ليضل عن سبيل الله } أي: فعل ذلك لِيَضل هو عن طريق الله ودينه، أو ليُضل غيره عنه، أو عن القرآن، { بغير علم } أي: جهلاً منه بما عليه من الوزر. { ويتخذها } أي: السبيل { هُزُواً } وسخرية. فمن رفع: استأنف، ومن نصب، عطفها على ليضل، { أولئك لهم عذاب مهين } يُهِينُهم ويخزيهم، و " مَنْ " ، لإبهامه، يقع على الواحد والجمع، والمراد: النضر ومن تبعه.

السابقالتالي
2 3