الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }

قلت: بأي أرض قال في المصباح: الأفصح: استعمال " أي " في الشرط والاستفهام بلفظ واحد، للمذكر والمؤنث، وعليه قوله تعالى:فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } [غافر: 81]، وقد تطابق في التذكير والتأنيث، نحو أَيُّ رَجُلٍ، وأي وأية امرأة. وفي الشاذ: بأية أرض تموت. هـ. يقول الحق جل جلاله: { أيها الناس اتقوا ربكم } اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية، بطاعته وترك معصيته. { واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده } شيئاً، لا يقضى عنه شيئاً، ولا يدفع عنه شيئاً. والأصل: لا يجزى فيه، فحذف. { ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً } ، وتغيير النظم في حق الولد، بأن أكده بالجملة الاسمية وبزيادة لفظ هو، وبالتعبير بالمولود للدلالة على حَسْمِ أطماعهم في أن ينفعوا آبائهم الذين ماتوا على الكفر بالشفاعة في الآخرة. ومعنى التأكيد في لفظ المولود: أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل منه، فضلاً عن أن يشفع لأجداده، لأن الولد يقع على الولد وولد الولد، بخلاف المولود لأنه لِمَا وُلِدَ منك. كذا في الكشاف. قلت: وهذا في حق الكفار، وأما المؤمنون فينفع الولد والده، والوالد ولده بالشفاعة، كما ورد في قارئ القرآن والعالمِ، وكل من له جاه عند الله، كما تقدم في سورة مريم. ثم قال تعالى: { إِنَّ وعدَ الله } بالبعث والحساب والجزاء، { حقٌّ } لا يمكن خلفه، { فلا تغرنكم الحياةُ الدنيا } بزخارفها الغرارة فإِنَّ نعمها دانية، ولذاتها فانية، فلا تشغلكم عن التأهب للقاء، بالزهد فيها، والتفرغ لِمَا يرضي الله، من توحيده وطاعته، { ولا يغُرُّنَّكم بالله } ، أي: لا يعرضنكم لخطر الغرة بالله وبحلمه، أو: لا يوقعنكم في الجهل بالله والغرة به، { الغرورُ } أي: الشيطان، أو: الدنيا، أو: الأمل. وفي الحديث: " الكيسَ من دَانَ نَفسَهُ وعَمِلَ لَمَا بَعْدَ المَوْتِ، والأحمقُ من أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وتمنَّى عَلَى الله الأمَاني " وفي الحديث أيضاً: " كَفَى بخشية الله علماً، وبالاغترار به جهلاً ". { إن الله عنده علمُ الساعة } أي: وقت قيامها، فلا يعلمه غيره، فتأهبوا لها، قبل أن تأتيكم بغتة. { ويُنزل الغيث }: عطف على ما يقتضيه الظرف من الفعل، أي: إن الله يُثبت عنده علم الساعة، ويُنزل الغيث في وقته، من غير تقديم ولا تأخير، وفي محله، على ما سبق في التقدير، ويعلم كم قطرة ينزلها، وفي أي بقعة يمطرها. { ويعلم ما في الأرحام } أذكر أم أنثى، أتام أم ناقص، وشقي أو سعيد، وحسن أو قبيح. { وما تدري نفس ماذا تكْسِبُ غداً } من خير أو شر، ووفاق وشقاق، فربما كان عازمة على الخير فعملت شراً، أو على شر فعملت خيراً. { وما تدري نفس بأي أرضٍ تموتُ } أي: أين تموت، فربما أقامت بأرض، وضربت أوتادها، وقالت: لا أبرحُها، فترمي بها مرامي القدر حتى تموت بمكان لم يخطر ببالها.

السابقالتالي
2 3